منهم. وإنما تأتيهم العزة من غيرهم بهذين العهدين : العهد الذي قرره الله ، والعهد الذي تواطأ عليه الناس.
(وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أي وصاروا مستحقين غضب الله مستوجبين سخطه ، وأحاطت بهم المسكنة والصّغار ، فهم تابعون لغيرهم يؤدون ما يضرب عليهم من المال وادعين ساكنين.
وهذا الوصف صادق على اليهود إلى اليوم فى كل بقاع الأرض.
وقد ارتفع الذل عنهم فى بلاد الإسلام بحبل من الله ، وهو ما ذكرناه فيما سلف من وجوب معاملتهم بالمساواة واحترام دمائهم وأعراضهم وأموالهم والتزام حمايتهم والذّود عنهم بعد إنقاذهم من ظلم حكامهم السابقين ، وبحبل من الناس كما تقدم بيانه.
وأما ارتفاع المسكنة بأن يكون لهم ملك وسلطان يوما ما ، فالقرآن ينفيه عنهم ، لأنه لم يستثن من ذلك شيئا ، كما استثنى فى الذلة ، فاقتضى بقاء ذلك عليهم إلى الأبد لكنهم يقولون إنهم مبشرون بظهور مسيح (مسيا) فيهم ؛ ومعناه ذو الملك والشريعة ، والنصارى يقولون : إن هذا الموعود به هو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، والمراد بالملك الملك الروحاني.
والخلاصة : إنهم متفرقون فى أقطار الأرض على قلتم ، منصرفون عن فنون الحرب وأعمالها ، بعيدون عن الزراعة ومتعلقاتها ، لعنايتهم بجمع المال من أيسر سبله ، وأكثرها نماء ، وأقلها تعبا وعناء ، وهو الربا.
وقد ذكر الله سبب ذلك وعلته فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي ذلك الذي ذكر من ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، واستحقاقهم للغضب الإلهى بسبب كفرهم ، وقتلهم النبيين بغير حق تعطيهم إياه شريعتهم.
وفى النص على أن ذلك بغير حق مع أنه لن يكون إلا كذلك تشنيع عليهم ،