المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فيما سلف أحوال الكافرين ، وما يحيق بهم من العقاب ، وأحوال المؤمنين وما أعد لهم من الثواب ، جامعا بين الزجر والترغيب ، والوعد والوعيد ، ثم وصف من آمن من الكفار بتلك الخلال الحسنة ، والمفاخر التي عددها لهم ـ أتبع ذلك بوعيد الكفار وتيئيسهم بأنهم لن يجدوا يوم القيامة ما يدفع عنهم عذابه ، ثم أردفه ببيان أن ما ينفقونه فى هذه الحياة الدنيا ، فى لذاتهم وجاههم وتأييد كلمتهم لا يفيدهم شيئا ، كزرع أصابته ريح فيها صرّ فأهلكته ، فلم يستفد أصحابه منه شيئا.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي إن الذين كفروا من أهل الكتاب ومشركى مكة وغيرهم ممن كانوا يعيرون النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالفقر ، ويقولون : لو كان محمد على الحق ما تركه ربه فى هذا الفقر الشديد ، ويتفاخرون بكثرة الأموال والأولاد كما حكى الله عنهم : «نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» لن تنفعهم هذه الأموال والأولاد يوم القيامة ، وافتصر على ذكرهما ، لأنهما من أعظم النعم ، ومن كان يرتع فى بحبوحة هذه النعم ، فقلّما يوجه نظره إلى طلب الحق ، أو يصغى إلى الداعي إليه ، ومن ثم تراه يتخبط فى ظلام دامس حتى يتردى فى الهاوية ، ويقع فى المهالك ، ولا ينفعه مال ولا ولد «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ» ، يوم يوضع الميزان ، ويحاسب كل امرئ على النقير والقطمير.
ونحو الآية قوله : «وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً» وقوله : «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ» وقوله : «وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى».