حتى ليبلغ الأمر إلى عضّ الأنامل كما يفعل أحدنا إذا اشتد غيظه ، وعظم حزنه على فوات مطلوبه.
وإنما فعلوا ذلك لما رأوا من ائتلاف المؤمنين ، واجتماع كلمتهم ، وصلاح ذات بينهم ، ونصر الله إياهم حتى عجز أعداؤهم أن يجدوا سبيلا إلى التشفي منهم ، فاضطروا إلى مداراتهم.
(قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) هذا دعاء عليهم بازدياد الغيظ حتى يهلكوا ، كقولهم : دم بعزّ ، وبت قرير عين ، ونحو ذلك ، والمراد بذلك ازدياد قوة الإسلام وعزّ أهله.
وفى هذا عبرة للمسلمين لعلهم يتذكرون ، فيعلموا أن ما حل بهم من الأرزاء ما كان إلا بزوال هذا الاجتماع ، والتفرق بعد الاعتصام.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فيعلم ما تنطوى عليه صدوركم من البغضاء والحقد والحسد ، ولا يخفى عليه ما تقولون فى خلواتكم ، وما يبديه بعضكم لبعض من تدبير المكايد ونصب الحيل للمؤمنين ، وما تنطوى عليه صدور المؤمنين من حب الخير والنصح لكم ، ويجازى كلّا على ما قدم من خير أو شر ، واعتقد من إيمان أو كفر.
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) أي إذا نالكم خير كانتصاركم على أعدائكم المقاومين لدعوتكم ، ودخول الناس فى دين الله أفواجا أحزنهم ذلك وعزّ عليهم.
وإن نالتكم مساءة كالإخفاق فى حرب ، أو إصابة عدوّ لكم ، أو حدوث اختلاف بين جماعتكم فرحوا بذلك.
قال قتادة فى بيان ذلك : فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوهم ، غاظهم ذلك وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا ، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين سرّهم ذلك ، وأعجبوا به وابتهجوا ، وهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته ، وأوطأ محلته ، وأبطل حجته ، وأظهر عورته ، وذلك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقي إلى يوم القيامة اه.