إذ القول قد ينسى ويقل الاعتبار به. من قبل هذا أرشدهم إلى الاعتبار وقياس ما فى أنفسهم على ما كان لدى غيرهم من قبلهم ومن ثم قال :
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي فسيروا فى الأرض وتأملوا فيما حل بالأمم قبلكم ليحصل لكم العلم الصحيح المبنى على المشاهدة والاختبار ، وتسترشدوا بذلك إلى أن المصارعة قد وقعت بين الحق والباطل فى الأمم السالفة ، وانتهى أمرها إلى غلبة أهل الحق لأهل الباطل ، وانتصارهم عليهم ما تمسكوا بالصبر والتقوى ، ويدخل فى ذلك اتباع ما أمر الله به من الاستعداد للحرب وإعداد العدة لقتال العدو كما أمر الله به فى قوله : «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ».
وجرى ذلك على سنن مستقيمة وأسباب مطردة لا تغيير فيها ولا تبديل.
والسير فى الأرض والبحث عن أحوال الماضين وتعرف ما حل بهم ـ نعم العون على معرفة تلك السنن والاعتبار بها ، وقد نستفيد هذه الفائدة بالنظر فى كتب التاريخ التي دونها من ساروا فى الأرض ، ورأوا آثار الذين خلوا ، فتحصل لنا العظة والعبرة ، ولكنها تكون دون اعتبار الذين يسيرون فى الأرض بأنفسهم ، ويرون الآثار بأعينهم
تلك آثارنا تدل علينا |
|
فانظروا بعدنا إلى الآثار |
(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي هذا الذي تقدم بيان للناس كافة وهدى وموعظة للمتقين منهم خاصة ، فالإرشاد عام للناس وحجة على المؤمن والكافر ، التقى منهم والفاجر.
وذلك يدحض ما وقع للمشركين والمنافقين من الشبهة بنحو قولهم لو كان محمد رسولا حقا لما غلب فى وقعة أحد ، فهذا الهدى والبيان يرشد إلى أن سنن الله حاكمة على الأنبياء والرسل كما هى حاكمة على سائر خلقه ، فما من قائد يخالفه جنده ، ويتركون حماية الثّغر الذي يؤتون من قبله ، ويخلون بين عدوهم وبين ظهورهم ،