والعدو مشرف عليهم ، إلا كان جيشه عرضة للانكسار إذا كر العدو عليه ـ قطع خط الرجعة ـ ولا سيما إذا كان بعد فشل وتنازع ، ومن ثم كان هذا البيان لجميع الناس ، كلّ على قدر استعداده للفهم وقبول الحجة.
وأما كونه هدى وموعظة للمتقين خاصة ، فلأنهم هم الذين يهتدون بمثل هذه الحقائق ، ويتعظون بما ينطبق عليها من الوقائع ، فيستقيمون ويسيرون على النهج السوىّ ، ويتجنبون نتائج الإهمال التي تظهر لهم مضرة عاقبتها ، فالمؤمن حقا هو الذي يهتدى بهدى الكتاب ويسترشد بمواعظه كما قال : «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» فالقرآن يهدينا فى مسائل الحرب والتنازع مع غيرنا إلى أن نروز أنفسنا ؛ ونعرف كنه استعدادنا لنكون على بصيرة من حقنا ؛ فنسير على سنن الله فى طلبه وفى حفظه. وأن نعرف كذلك حال خصمنا ونضع الميزان بيننا وبينه. وإلا كنا غير مهتدين ولا متعظين.
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي ولا تضعفوا عن القتال وما يتبعه من التدبير بسبب ما أصابكم من الجروح والفشل فى يوم أحد. ولا تحزنوا على من فقد منكم فى هذا اليوم. وكيف يلحقكم الوهن والحزن وأنتم الأعلون. فقد مضت سنة الله أن يجعل العاقبة للمتقين الذين لا يحيدون عن سنته. بل ينصرون من ينصره ويقيمون العدل. فهم أجدر بذلك من الكافرين الذين يقاتلون لمحض البغي والانتقام ، أو للطمع فيما فى أيدى الناس.
فهمة الكافر على قدر ما يرمى إليه من غرض خسيس ، ولا كذلك همة المؤمن الذي يرمى إلى إقامة صرح العدل فى الدنيا والسعادة الباقية فى الآخرة ـ إن كنتم مؤمنين بصدق وعد الله بنصر من ينصره. وجعل العاقبة للمتقين المتبعين لسنته فى نظم الاجتماع ، حتى صار ذلك الايمان وصفا ثابتا لكم حاكما نفوسكم وأعمالكم.
وإنما نهى عن الحزن على ما فات ، لأن ذلك مما يفقد الإنسان شيئا من