ومن أمثال العرب : الحرب سجال ، روى أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعة ، ثم قال أين ابن أبى كبشة؟ ـ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وأبو كبشة زوج حليمة السعدية وهو أبوه من الرضاع ـ أين ابن أبى قحافة؟ ـ أبو بكر ـ أين ابن الخطاب؟ فقال؟ عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أبو بكر وهأنذا عمر ، فقال أبو سفيان يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر رضي الله عنه : لا سواء ، قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار ، فقال إنكم تزعمون ذلك ، فقد خبنا إذن وخسرنا.
(وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي وتلك الأيام نداولها بين الناس ، ليقوم بذلك العدل ، ويستقر النظام ، ويعلم الناظر فى السنن العامة ، والباحث فى الحكم الإلهية أنه لا محاباة فى هذه المداولة ، وليعلم الله الذين آمنوا منكم ، لأن الجهاد الاجتماعى الذي يدال به قوم على قوم مما يطهر النفوس ويتميز به الإيمان الصحيح من غيره.
والمراد من قوله (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) أي وليظهر علمه بذلك للناس بظهور ما يعلم لهم ، إذ علم الله بالأشياء ثابت فى الأزل ، فإذا وقعت حصل تغير فى ذلك المعلوم ، فصار حالا بعد أن كان مستقبلا ، فهو كقوله : «لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» أي ليعلم الناس ذلك ويميزوه.
الخلاصة ـ إن المراد من مثل هذه العبارة (لِيَعْلَمَ) ـ ليثبت ويتحقق صدق إيمان الذين آمنوا ، لأنه متى ثبت وتحقق كان الله عالما به على أنه حقيقة ثابتة ، إذ علم الله لا يكون إلا مطابقا للواقع ، فما لا يعلمه الله تعالى لا يكون له حقيقة ثابتة.
(وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي وليكرم ناسا منكم بالشهادة والقتل فى سبيل الله. ذاك أن قوما من المسلمين فاتهم يوم بدر ، وكانوا يتمنّون لقاء العدو ، وأن يكون لهم يوم كذلك اليوم يقاتلون فيه ويلتمسون الشهادة.