والقرآن ملىء بتعظيم حال الشهداء ، قال تعالى : «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» وقال تعالى : «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ».
ومن ثم كان من جملة فوائد هذه المداولة حصول هذا المنصب العظيم لبعض المؤمنين.
ثم أتى بجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها لبيان أن الشهداء يكونون ممن أخلصوا فى إيمانهم وأعمالهم ، ولم يظلموا أنفسهم بمخالفة أوامر الله ونواهيه ، والخروج عن سننه فى خلقه فقال :
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي إن الله لا يصطفى للشهادة الظالمين ما داموا على ظلمهم ، وفى ذلك بشارة للمتقين بمحبة الله لهم ، وإنذار للمقصرين بأنه لا يحبهم الله ، وتعريض لأعدائهم المشركين بأن الله لا يحبهم ، لأنهم ظلموا أنفسهم وسفهوها بعبادة المخلوقات ، وظلموا سواهم بالفساد فى الأرض ، والبغي على الناس وهضم حقوقهم ، ومن المعلوم أن الظلم لا تدوم له سلطة ، ولا تثبت له دولة ، بل تكون دولته سريعة الزوال ، قريبة الانحلال.
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ونداول الأيام ليتميز المؤمنون الصادقون من المنافقين ، وتطهر نفوس بعض ضعفاء المؤمنين من كدورتها ، فتصير تبرا خالصا لا كدورة فيه ، فإن الإنسان كثيرا ما يشتبه عليه أمر نفسه ، ولا تتجلى له حقيقتها إلا بالتجارب الكثيرة ، والامتحان بالشدائد العظيمة ، فهى التي تمحصها وتنفى خبثها وزغلها ، كما أن تمحيص الذهب يميز بهرجه من خالصه.
فالمعتقد فى دين أنه الحق قد يخيل إليه وقت الرخاء أنه يسهل عليه بذل ماله ونفسه فى سبيل الله ليرفع راية ذلك الدين ويدفع عنه كيد المعتدين ، فإذا جاء البأس ظهر له من نفسه غير ما كان يتصور ، انظر إلى الذين خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وطمعوا فى الغنيمة ، وإلى الذين انهزموا وولوا الأدبار ، كيف محصهم الله