بتلك الشدائد فعلموا أن المسلم ما خلق للهو واللعب ، ولا للكسل والتواكل ، ولا لنيل الظفر ونيل السيادة بخوارق العادات ، وتبديل سنن الله فى المخلوقات ، بل خلق ليكون أكثر الناس جدّا فى العمل ، وأعظمهم تفانيا فى أداء الواجب اتباعا للنواميس والسنن التي وضعها الله فى الخليقة.
وقد تجلى أثر هذا التمحيص فى الغزوات التي تلت هذه الوقعة ؛ ففى غزوة (حمراء الأسد) أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتبع المشركين فيها إلا من شهد القتال بأحد فامتثل المؤمنون أمره بقلوب مطمئنة ، وعزائم صادقة ، وهم على ما هم عليه من الجراح المبرّحة ، والقلوب المنكسرة.
(وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) أي ويجعل اليأس يسطو على قلوبهم ، وفقد الرجاء يذهب بعزائمهم ، فلا يبقى لديهم شجاعة ولا بأس ، ولا قلّ ولا كثر من عزة النفس ، فيكون وجودهم كالعدم لا فائدة فيه ، ولا أثر له ، فالكافرون المبطلون لا يثبت لهم حال مع المؤمنين الصادقين ، وإنما يظهرون إذا لم يوجد من أهل الحق والعدل من ينازعهم ويقاوم باطلهم.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما