مقاصد تلك الزينة والاستدلال بها على وجود خالقها ، والإخبات إليه ، والطاعة له ، فيما أمر به ، والبعد عما نهى عنه ، فتقوم عليهم الحجة ، فمن اعتبر بتلك الزينة ، وفهم حكمتها ، حاز المثوبة ، ومن اجترأ على مخالفة أمره ، ولم يفهم أسرارها ومقاصدها ، استحق العقوبة.
وخلاصة ذلك ـ إنا جعلنا ما على الأرض زينة ، لنعاملهم معاملة من يختبرون فنجازى المحسنين بالثواب ، والمسيئين بالعقاب ، ويمتاز أفراد الطبقتين بعضهم عن بعض بحسب امتياز درجات أعمالهم.
روى أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : «إن الدنيا نضرة حلوة ، والله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون» ، وقال «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ، قيل وما زهرة الدنيا؟ قال بركات الأرض» ، وروى البخاري أن عمر كان يقول : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زيّنته لنا ، اللهم إنى أسألك أن ننفقه فى حقه.
(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) أي وإن الأرض وما عليها بائد فإن ، وإن المرجع إلى الله ، فلا تأس ولا تحزن لما تسمع وترى ، ونحو الآية قوله «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ» وقوله «فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً».
وإجمال المعنى ـ إن ما على الأرض سيصير ترابا ساذجا بعد ما كان يتعجّب من بهجته النظّارة ، وتسرّ برؤيته العيون ، فلا تحزن لما عاينت من تكذيب هؤلاء لما أنزل عليك من الكتاب ، فإنا جعلنا ما على الأرض من مختلف الأشياء زينة لها ، لنختبر أعمال أهلها ، فنجازيهم بحسب ما هم له أهل ، وإنا لمفنون ذلك بعد حين.
وفى هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلّم ، وكأنه قيل : لا تحزن فإنا ننتقم لك منهم.