المؤمنين ، ولا يضره كفر الكافرين كما قال : «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها».
ولما هدد السامعين بأن يختاروا لأنفسهم ما يجدونه غدا عند الله ـ أتبعه بذكر الوعيد على الكفر والمعاصي ، والوعد على الأعمال الصالحة ، وبدأ بالأول فقال :
(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) أي إنا قد أعددنا لمن ظلم نفسه وأنف من قبول الحق ، ولم يؤمن بما جاء به الرسول ـ نارا يحيط بهم لهيبها المستعرة من كل جانب كما يحيط السرادق بمن حل فيه ، فلا مخلص منه ، ولا ملجأ إلى غيره (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) أي وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة وهم فى النار ، فيطلبوا الماء لشدة ما هم فيه من العطش لحر جهنم كما قال فى سورة الأعراف حكاية عنهم : «أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم الله» يؤت لهم بماء غليظ كدردىّ الزيت ، وإذا قرب إليهم للشرب سقطت جلود وجوههم ونضجت من شدة حره.
روى أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم عن أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال «المهل : كعكر الزيت ، فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه» ، وعن ابن عباس قال : أسود كعكر الزيت (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) أي ما أقبح هذا الشراب الذي هو كالمهل ، فهو لا يطفىء غلّة ، ولا يسكّن حرارة الفؤاد ، بل يزيد فيها إلى أقصى غاية ، وما أسوا هذه النار منزلا ومرتفقا ، وجاء فى الآية الأخرى : «إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً» ثم ثنّى بذكر السعداء فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) أي إن الذين آمنوا بالحق الذي يوحى إليك ، وعملوا ما أمرهم به ربهم ، فالله لا يضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال ، ولا يظلمهم على ذلك نفيرا ولا قطميرا.