وقد تكرر هذا المعنى فى غير موضع من الكتاب الكريم : «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ».
ثم ذكر سبحانه أثر هذا الختم على القلوب فقال :
(وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) أي ومهما كررت أيها الرسول من الدعوة إلى الحق ، حرصا منك على نجاتهم وخشية نزول البلاء بهم ، فلن يستجيبوا لك ، ولن يهتدوا بهداك ، لأن الله قد كتب عليهم الضلال ، بسوء أعمالهم وقبح طواياهم ، فأنّى يفيد النصح ، وتجدى العظة ، ويرقّ القلب؟.
وخلاصة المعنى ـ كأنه صلى الله عليه وسلّم حرصا منه على هداهم قال : مالى لا أدعوهم رجاء أن تنكشف تلك الأكنة ، وتمزّق بيد الدعوة ، فقيل له ـ وأنى لك ذلك؟ فإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا أبدا.
وقد جاءت هذه الآية فى قوم علم الله أنهم سيموتون على الكفر من مشركى مكة.
ثم بين أنه سبحانه لا يعجّل العقوبة لعباده على ما يجترحون من الفسوق والآثام رجاء أن ينيبوا إليه فقال :
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) أي وربك أيها الرسول غفور لذنوب عباده ، ذو رحمة واسعة بهم ، إذا هم أنابوا إليه ورجعوا إلى رحاب عفوه وجوده وكرمه ، فيرحمهم واسع الرحمات ، ويتجاوز لهم عن عظيم الخطيئات ، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من المعاصي كإعراضهم عن آياته ، ومناصبتهم العداء لرسله ، ومجادلتهم بالباطل ـ لعجل لهم العذاب فى الدنيا وأنزل بهم عذاب الاستئصال جزاء وفاقا لقبيح أعمالهم.
ونحو الآية قوله : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ» وقوله : «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ» إلى نحو ذلك من الآيات الكثيرة فى هذا الباب.