(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) أي ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر حين الغضب فيقول : اللهم العنّى اللهم أهلكنى ، كدعائه ربه بالخير أي بأن يهب له العافية ويرزقه السلامة ، ولو استجيب له فى دعائه بذاك كما يستجاب له فى هذا لهلك ، ولكن الله بفضله ومنته لا يستجيب دعاءه كما قال «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ» وفى الحديث «لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها».
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلّم دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا فأقبل يئنّ بالليل ، فقالت له مالك تئن فشكا ألم القدّ (سير من جلد غير مدبوغ تربط به يدا الأسير ورقبته) فأرخت له من كتافه ، فلما نامت أخرج يده وهرب ، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلّم دعا به فأعلم بشأنه ، فقال عليه الصلاة والسلام «اللهم اقطع يدها» فرفعت سودة يدها يتوقع أن يقطع الله يدها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «إنى سألت الله أن يجعل دعائى على من لا يستحق عذابا من أهلى رحمة ، لأنى بشر أغضب كما تغضبون ، فلتردّ سودة يدها».
وقد يكون المعنى فى الآية ـ إن الإنسان قد يبالغ فى الدعاء طلبا لشىء يعتقد أن فيه خيره ، مع أن ذلك قد يكون سبب بلائه وشره لجهله بحاله ، وإنما يقدم على ذلك العمل لكونه عجولا مغترّا بظواهر الأمور ، غير متفحص لحقائقها وأسرارها ، ومن ثم قال :
(وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعاميا عن ضرره.
وفى الآية إيماء إلى أن القرآن يدعو للتى هى أقوم ، ويأبون إلا التي هى ألوم.
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢))