جحودا لا يشكره عليها ، بل يكفرها بترك طاعته ، ور كوبه معصيته ، وهكذا إخوانه المبذرون أموالهم فى معاصى الله ، لا يشكرون الله على نعمه عليهم ، بل يخالفون أمره ، ولا يستنون سنته ، ويتركون الشكران عليها ويتلقونها بالكفران.
قال الكرخي : وكذلك من رزقه الله جاها أو مالا ، فصرفه إلى غير مرضاة الله كان كفورا لنعمة الله ، لأنه موافق للشيطان فى الصفة والفعل اه.
وفى ذكر وصف الشيطان بالكفران دون ذكر سائر أوصافه ، بيان لأن المبذر لما صرف نعم الله عليه فى غير موضعها فقد كفر بها ولم يشكرها ، كما أن الشيطان كفر بهذه النعم.
وقد كان من عادة العرب أن يجمعوا أموالهم من السلب والنهب والغارة ثم ينفقونها فى التفاخر وحب الشهرة. وكان المشركون من قريش ينفقون أموالهم ليصدّوا الناس عن الإسلام وتوهين أهله وإعانة أعدائه ، فجاءت الآية تبين قبح أعمالهم.
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أي وإن أعرضت عن ذوى القربى والمسكين وابن السبيل وأنت تستحى أن تردّ عليهم ، انتظار فرج من الله ترجو أن يأتيك ، ورزق يفيض عليك ، فقل لهم قولا لينا جميلا ، وعدهم وعدا تطيب به قلوبهم ، قال الحسن : أمر أن يقول لهم : نعم وكرامة ، وليس عندنا اليوم شىء ، فإن يأتنا نعرف حقكم.
وفى هذا تأديب من الله لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون وبم يردّون؟. ولقد أحسن من قال :
إلا يكن ورق يوما أجود به |
|
للسائلين فإنى ليّن العود |
لا يعدم السائلون الخير من خلقى |
|
إما نوال وإما حسن مردود |
ثم بين سبحانه الطريق المثلى فى إنفاق المال فقال :
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)