التي وضعها لعباده فى كسب المال ، وحسن تصرفهم فى جمعه ، بالوسائل والنظم التي وضعها فى الكون.
(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي إن ربك ذو خبرة بعباده ، فيعلم من الذي تصلحه السعة فى الرزق ، ومن الذي تفسده؟ ومن الذي بصلحه الإقتار والضيق؟ ومن الذي يفسده؟ وهو البصير بتدبيرهم وسياستهم ، فعليك أن تعمل بما أمرك به أو نهاك عنه ، من بسط يدك فيما تبسط فيه وفيمن تبسطها له ، ومن كفها عمن تكفها عنه ، فهو أعلم بمصالح العباد منك ومن جميع الخلق ، وأبصرهم بتدبير شؤونهم.
وقصارى ذلك ـ إنكم إذا علمتم أن شأنه تعالى البسط والقبض ، وأنعمتم فى النظر فى ذلك ، وجدتم أن من سننه تعالى الاقتصاد ، فاقتصدوا واستنّوا بسنته.
وبعد أن بين أنه تعالى الكفيل بالأرزاق وهو الذي يبسط ويقدر ، نهاهم عن قتل الأولاد خشية الفقر فقال :
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) أي ولا تئدوا بناتكم خوف الفقر ، فنحن نرزقهم لا أنتم ، فلا تخافوا الفقر لعلكم بعجزهم عن تحصيل رزقهم.
وقد كان العرب فى جاهليتهم يقتلون البنات ، لعجزهن عن الكسب ، وقدرة البنين عليه ، بالغارات والسلب والنهب ، ولأن فقرهن ينفّر الأكفاء عن الرغبة فيهن ، فيحتاجون إلى تزويجهنّ لغير الأكفاء ، وفى ذلك عار أيّما عار عليهم.
والخلاصة ـ إن الأرزاق بيد الله ، فكما يفتح خزائنه للبنين يفتحها للبنات ، فليس لكم سبب يدعو إلى قتلهن ، ومن ثم قال :
(إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) أي إن قتلهم كان إثما فظيعا لما فيه من انقطاع النسل وزوال هذا النوع من الوجود. وفى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : «قلت يا رسول الله أىّ الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل لله ندّا وهو الذي خلقك ، قلت ثم أىّ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قلت ثم أي؟ قال : أن تزانى بحليلة جارك» ـ