إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)».
ولما كان هذا الكلام غاية فى الوضوح والبيان ، ولا يخفى فهمه على إنسان ، ثم هم بعد ذلك أعرضوا عنه نبه إلى ذلك بقوله :
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) أي ولقد بينا فى هذا القرآن الآيات والحجج ، وضربنا لهم الأمثال ، وحذرناهم وأنذرناهم ، ليتذكروا ويتعظوا فيقفوا على بطلان ما يقولون ـ فإن التكرار يقتضى الإذعان واطمئنان النفس ـ وهم مع ذلك لا يعتبرون ولا يتذكرون بما يرد عليهم من الآيات والنذر بل ما يزيدهم التذكير إلا نفورا وبعدا عن الحق وهربا منه.
ثم رد على هؤلاء الذين يشركون بربهم ، ويتخذون الشفعاء والأنداد وندد عليهم وسفه أحلامهم فقال :
(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر : لو كان الأمر كما تقولون وأن معه آلهة تعبد لتقرّب إليه وتشفع لديه ـ لكان أولئك المعبودون يعبدونه ، ويتقربون إليه ، ويبتغون لديه الوسيلة ، فاعبدوه وحده كما يعبد من تدعونه من دونه ، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه ، فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه ، بل يكرهه ويأباه. وقد نهى عن ذلك على ألسنة رسله وأنبيائه ونزه نفسه عن ذلك فقال :
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) أي تنزيها لله وعلوّا له عما تقولون أيها القوم من الفرية والكذب ، فهو الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وفى الآية إيماء إلى وجود البون الشاسع بين ذاته وصفاته سبحانه ، وبين ثبوت الصاحبة والولد والشركاء والأضداد ، للمنافاة التي لا غاية وراءها ، بين القديم والمحدث والغنى والمحتاج.