ثم فسر سبحانه التي هى أحسن بما علّمهم النّصفة بقوله :
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) أي ربكم أيها القوم هو العليم بكم ، إن يشأ رحمتكم بتوفيقكم للايمان والعمل الصالح يرحمكم ، وإن يشأ يعذبكم بأن يخذلكم عن الإيمان فتموتوا على شرككم.
وفى هذا إيماء إلى أنه لا ينبغى للمؤمنين أن يحتقروا المشركين ولا أن يقطعوا بأنهم من أهل النار ويعيّروهم بذلك ، فإن العاقبة مجهولة ، ولا يعلم الغيب إلا الله ـ إلى أن ذلك مما يجرّ إلى توليد الضغينة فى النفوس ، بلا فائدة ولا داع يدعو إليها.
ثم وجه خطابه إلى أعظم الخلق ليكون من دونه أسوة له فقال :
(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي وما أرسلناك أيها الرسول حفيظا ورقيبا ، تقسر الناس على ما يرضى الله ، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا ، فدارهم ولا تغلظ عليهم ، ومر أصحابك بذلك ، فإن ذلك هو الذي يؤثّر فى القلوب ، ويستهوى الأفئدة ، ثم انتقل من عامه تعالى بهم إلى علمه بجميع خلقه فقال :
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وبأحوالهم الظاهرة والباطنة ، فيختار منهم لنبوته والفقه فى دينه من يراه أهلا لذلك ، ويفضل بعضهم على بعض ، لإحاطة علمه وواسع قدرته. ونحو الآية قوله «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ».
وفى هذا رد عليهم حين قالوا : يبعد كل البعد أن يكون يتيم ابن أبى طالب نبيا ، وأن يكون أولئك الجوع العراة كصهيب وبلال وخبّاب وغيرهم صحابة دون الأكابر والصناديد من قريش.
وفى ذكر من في السموات ردّ لمقالهم حين قالوا «لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ» وفى ذكر من فى الأرض رد لمقالهم حين قالوا «لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ».
(وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بما لهم من الفضائل النفسية ، والمزايا القدسية ، وإنزال الكتب السماوية ، فخصصنا كلا منهم بفضيلة ومزية ، ففضلنا