إيمانا ، وقوم ازدادوا كفرا كأبى جهل إذ قال : إن ابن أبى كبشة (يعنى النبي صلى الله الله عليه وسلّم) توعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يزعم أنها تنبت شجرة وتعلمون أن النار نحرق الشجر ، وقال عبد الله بن الزّبعرى : إن محمدا يخوّفنا بالزقوم ، وما الزقوم إلا التمر والزبد ، فتزقموا منه ، وجعل يأكل من هذا بهذا.
وقد فات هؤلاء أن فى الدنيا أشياء كثيرة لا تحرقها النار ، فهناك نوع من الحرير يسمى بالحرير الصخرى لا تؤثر فيه النار ، بل هو يزداد إذا لا مسها نظافة ، ومن ثم يلبسه جال المطافى فى الدول المتدينة.
وكم فى الأرض من عجائب ، وكم فى العوالم الأخرى من مثلها ، فالأرض مملوءة نارا ، وما خلص من النار إلا قشرتها التي نعيش عليها ، وما من شجر أو حجر إلا وفيه نار ، والماء نفسه مادة نارية فنحو ٨ منه اكسوجين وهو مادة تشتعل سريعا ، والتسع أدروجين ، فأرضنا نار ، وماؤنا نار ، وأشجارنا وأحجارنا مليئة بالنار ، وهذا العالم لذى نسكنه تتخلله النار.
والخلاصة ـ إن هؤلاء المشركين فتنوا بالرؤيا ، وفتنوا بالشجرة.
وقد وصفت هذه الشجرة بكونها ملعونة ولا ذنب لها ، للعن الكفار الذين يأكلونها ، توسعا فى الاستعمال وهو كثير فى كلام العرب.
(وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) أي ونخوفهم بمخاوف الدنيا والآخرة ، فما يزيدهم التخويف إلا تماديا فى الطغيان والضلال ، فلو أننا أنزلنا عليهم الآيات التي اقترحوها ، لم يزدادوا بها إلا تمردا وعنادا واستكبارا فى الأرض وفعل بهم ما فعل بأمثالهم من الأمم الغابرة من عذاب الاستئصال ، لكن قد سبقت كلمتنا بتأخير العذاب عنهم إلى حلول الطامة الكبرى.
والكلام مسوق لتسليته صلى الله عليه وسلّم على ما عسى أن يعتريه من عدم الإجابة إلى إنزال الآيات المقترحة لمخالفتها للحكمة ، من الحزن لطعن الكفار ، إذ ربما يقولون لو كنت رسولا حقا لأتيت بمثل هذه المعجزات التي أتى بها من قبلك من الأنبياء.