فى علم الكيمياء أن وزن الذرات التي تدخل فى كل جسم بنسب معينة ، فلو أن ذرة واحدة فى عنصر من العناصر الداخلة فى تركيب أي جسم من النبات أو الحيوان أو الجماد نقصت عن النسبة المقدرة لتكوينه لم يتكون ذلك المخلوق.
وخالق الدنيا هو خالق الآخرة ، فالظلم مستحيل هناك كما استحال هنا فى نظم الطبيعة ، فما أجلّ قدرة الله وما أعظم حكمته فى خلقه!.
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي ومن كان فى دار الدنيا أعمى القلب لا يبصر سبل الرشد ، ولا يتأمل حجج الله وبيناته التي وضعها فى صحيفة الكون وأمر بالتأمل فيها ـ فهو فى الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة ، وأضل سبيلا منه فى الدنيا ، لأن الروح الباقي بعد الموت هو الروح الذي كان فى هذه الحياة الدنيا ، وقد خرج من الجسم وكأنه ولد منه كما تلد المرأة الصبى ، وكما يثمر النخل الثمر ، والأشجار الفواكه ، وما الثمر والفواكه إلا ما كان من طباع الشجرة ، فهكذا الروح الباقي هو هذا الروح نفسه قد خرج بجميع صفاته وأخلاقه وأعماله ، فهو ينظر إلى نفسه وينفر أو ينشرح بحسب ما يرى ، وما الثمر إلا بحسب الشجر ، فإذا كان هنا ساهيا لا هيا فهناك يكون أكثر سهوا ولهوا وأبعد مدى فى الضلال ، لأن آلات العلم والعمل قد عطّلت ، وبقي فيه مناقبه ومثالبه ، ولا قدرة على الزيادة فى الأولى ولا النقص فى الثانية.
وبعد أن ذكر سبحانه درجات الخلق فى الآخرة وشرح أحوال السعداء ، أردفه بتحذيرهم من وساوس أرباب الضلال والخديعة بمكرهم فقال :
(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي وإن المشركين قاربوا بخداعهم أن يوقعوك فى الفتنة بصرفك عما أوحيناه إليك من الأحكام ، لتتقوّل علينا غير الذي أوحيناه إليك مما اقترح عليك.
أخرج ابن اسحق وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس «أن أمية بن حنف وأبا جهل ورجالا من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا تعال فتمسّح بآلهتنا ، وندخا