(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أي وإذا أنعمنا على الإنسان بمال وعافية ، وفتح ونصر وفعل ما يريد ـ أعرض عن طاعتنا وعبادتنا ، ونأى بجانبه ، وهذا كقوله «فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ» وقوله : «فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ».
(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) أي وإذا أصابته الجوائح ، وانتابته النوائب ، كان يئوسا قنوطا من حصول الخير بعد ذلك.
ونحو الآية قوله «وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ» وقوله : «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ».
ولما ذكر حالى العمى والمهتدين ختم القول ببيان أن كلا يسير على مذهبه فقال :
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي قل إن كلا من الشاكر والكافر يعمل على طريقته وحاله فى الهدى والضلال ، وما طبع عليه من الخير والشر.
(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أي فربكم أعلم من كل أحد ، بمن منكم أوضح طريقا واتباعا للحق ، فيؤتيه أجره موفورا ، ومن هو أضل سبيلا فيعاقبه بما يستحق ، لأنه يعلم ما طبع عليه الناس فى أصل الخلقة وما استعدوا له ، وغيره يعلم أمورهم بالتجربة ، وبمعنى الآية قوله «وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ ، وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ» ولا يخفى ما فى الآية من تهديد شديد ووعيد للمشركين.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥)).