قلت : ما ذكره شيخنا وجها لذلك وجيه ان عد عقد النكاح من عقود المعاوضات حقيقة ، وليس كذلك لأنه عقد شرع لحدوث علقة الارتباط بين الزوجين من حيث انتفاع كل منهما بالآخر بالانتفاع الخاص من وطئ ونحوه ، وان شئت قلت : حقيقته تسليط كل منهما صاحبه على نفسه من حيث الانتفاع الخاص به ، غير ان تسليط الزوجة للزوج على نفسها كذلك أوجب انتفاء سلطنتها التي كانت لها على نفسها قبله ، واختصت السلطنة على الانتفاع الخاص بالزوج ، بخلاف الزوج فإنه باق على ما كان عليه من سلطنة التسليط على نفسه ولذلك صارت الزوجة مملوكا بضعها للزوج بهذا المعنى ، لأن الانتفاع بها مختص به ، ووقع التعبير عن ذلك بالهبة في قوله عز من قائل «وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها» (١) وهذا التسليط منها مرة يكون مجانا فتكون مفوضة وأخرى يعطي بإزائه شيء يكون المبذول لها كالنحلة فتكون ، حينئذ ممهورة ، وليس الغرض المقصود من العقد الا التناكح والتناسل غالبا دون تملك المهر ، ولذا لا يبطل العقد ببطلانه أو الإخلال به ، ولا يعد ركنا من أركانه ، بخلاف المعاوضة التي ليست معناها الا تبديل مال بمال ، الموجب لرجوع كل بدل إلى صاحبه ببطلان التبديل وانتفاء البدلية ، ولذا كان كل من العوضين ركنا من العقد.
__________________
في أحكام الرضاع ومسائله العشرة من كتاب النكاح ، في شرح قول المحقق : «الرابعة الرضاع المحرّم يمنع من النكاح سابقا ، ويبطله لاحقا»
(١) آية (٥٠ من سورة الأحزاب) وأول الآية هكذا «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ ..».