هذا وقد ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان اشتغل بعرض الصافنات الجياد حتى فات وقت صلاة العصر ، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا ، بل نسيانا ، كما اشتغل النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الخندق عن صلاة العصر ، حتى صلاها بعد الغروب ، ويحتمل أنه كان سائغا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال ، والأول أقرب ، لأنه قال بعدها «ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق» ، قال الحسن البصري : لا ، قال : والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك ، ثم أمر بها فعقرت ، وكذا قال قتادة ، وقال السّدى : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف ، ولهذا عوّضه الله عزوجل ما هو خير منها ، وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ورواحها شهر ، فهذا أسرع وخير من الخيل (١).
وهكذا يوصم سليمان عليهالسلام بأنه تلهى عن ذكر الله ، ويوصم كذلك بأنه قتل الخيول البريئة المعدة للجهاد ، دون سبب أو مسوغ معقول (٢) ، ومن ثم فقد رد حذاق العلماء هذا القول بأنه عقوبة لما لا يستحق العقوبة ، وبأنه إفساد للمال في غير منفعة المسلمين ، ويقول الفخر الرازي أن هذا بعيد (أي عقر سليمان للخيل) ويدل عليه وجوه (الأول) أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) قطعها ، وهذا مما لا يقوله عاقل ، بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق ، أما إذا لم يذكر لقط السيف لم يفهم البتة من المسح العقر والذبح ، و (الثاني) القائلون بهذا القول جمعوا على سليمان عليهالسلام أنواعا من الأفعال المذمومة ، فأولها : ترك الصلاة ، وثانيها : أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة ، ورابعها : أنه خاطب رب العالمين بقوله : «ردوها علي» وهذه الكلمة لا يذكرها الرجل
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٤ / ٥١ ـ ٥٢ (ط بيروت ١٩٨٦).
(٢) محمد الطيب النجار : المرجع السابق ص ٤٠.