الحصيف إلا مع الخادم الخسيس ، وخامسها : أنه تبع هذه المعاصي بعقر الخيل في سوقها وأعناقها ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه : «نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة» ، فهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان عليهالسلام ، مع أن لفظ القرآن لم يدل على شيء منها (١).
على أن هناك اتجاها آخر في القصة ، فلقد روي الطبري عن ابن عباس ، كما روي القرطبي عنه وعن قتادة والحسن والزهري وابن كيسان أن المراد بمسح سوق الخيل وأعناقها في هذه الآية الكريمة هو مسح حبالها وكشفا للغبار عنها ، وقال الإمام الطبري في التفسير : وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس (أي جعله يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبالها) أشبه بتأويل الآية ، لأن نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانا بالعرقبة ، ويهلك مالا من ماله بغير سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها (٢) ، ومن ثم يذهب الفخر الرازي إلى أن الصواب أن نقول إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم ، كما أنه كذلك في دين محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم إن سليمان عليهالسلام احتاج إلى الغز وفجلس وأمر بإحضار الخيل وبإجرائها ، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس ، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه ، وهو المراد في قوله : «عن ذكر ربي» ، ثم إنه بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب ، أي غابت عن بصره ، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه ، فلما عادت إليه طفق
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.
(٢) تفسير الطبري ٢٣ / ١٥٦ ، ثم قارن تفسير ابن كثير ٤ / ٥٢ ، حيث يقول : وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر ، لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ، ولا سيما إذا كان غضبا لله تعالى بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ، ولهذا لما خرج عنها الله تعالى عوضه الله عزوجل ما هو خير منها وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ورواحها شهر ، فهذا أسرع وخير من الخيل.