يمسح سوقها وأعناقها ، والغرض من ذلك المسح أمور ، الأول : تشريفا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو ، والثاني : أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتضح إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه ، والثالث : أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها ، فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها ، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض ، فهذا التفسير الذي ذكرنا ، ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقا مطابقا موافقا ، ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات (١).
هذا فضلا عن أن حب الخيل من سنن الأنبياء والمرسلين ، صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين ، روي النسائي وأبو داود وأحمد عن أبي وهب الجشمي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها» (٢) ، وروي البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومالك وأحمد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (٣) ، وروي الطحاوي في مشكل الآثار بسنده عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها ، وامسحوا نواصيها وادعوا لها بالبركة» (٤) ، هذا إلى أن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح ، فكذلك في التوراة ممدوح (٥) ، وقد روت التوراة أن سليمان عليهالسلام كان شغوفا بالخيل (٦) ، وأنه كان يقول :
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٦.
(٢) سنن النسائي ٦ / ٢١٨ ، سنن أبي داود ٣ / ٢٤ ، مسند الإمام أحمد ٦ / ٢٨٢.
(٣) صحيح البخاري ٤ / ٣٤ ، صحيح مسلم ٣ / ٤٩٣ ، سنن الدارمي ٢ / ٢١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٣ / ٢٢ ، سنن الترمذي ٤ / ٢٠٢ ، سنن النسائي ٦ / ٢١٥ ، موطأ مالك ص ٢٧٩ ، مسند الإمام أحمد ٦ / ٢٨٢.
(٤) مشكل الآثار ١ / ١٣٢ (حيدرآباد ١٣٣٣ ه).
(٥) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٤.
(٦) ملوك أول ١٠ / ٢٦ ـ ٢٩ ، أخبار أيام ثان ١ / ١٤ ـ ١٧.