الضعيف الملقى على ذلك الكرسي ، ثم أزال الله عنه ذلك الخوف وأعاده إلى ما كان عليه من القوة وطيب القلب (١).
وأياما كان الأمر ، فإن العلماء المحققين إنما يذهبون إلى أن يكون بيان الفتنة في قول سليمان عليهالسلام وهو ما يتصل أيضا بالخيل اتصالا قريبا ، فيما أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : قال سليمان بن داود عليهماالسلام ، لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين (٢) كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» (٣) ، والمراد بشق رجل ، تفسره رواية أخرى عند البخاري أيضا في كتاب الأنبياء بلفظ «إلا واحدا ساقطا أحد شقيه» أي مشلولا فاقدا لكثير من مظاهر الرجولة ، ولما رأى سليمان عليهالسلام حرمانه مما تمنى من الولد للجهاد بهم في سبيل الله ، لأنه لم يقل إن شاء الله ، علم أنه ابتلى فأسرع إلى الإنابة إلى الله تعالى والرجوع إليه بالتوبة من عدم استثنائه في طلبه واستعانته بمشيئة الله تعالى ثم استغفر ربه ، متذللا خاشعا راجيا عفوه ومغفرته وفضله فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.
(٢) كانت زوجات سليمان يبلغن المائة أو أقل ، كما جاء في روايات الحديث المتعددة عند البخاري (صحيح البخاري ٤ / ٢٧ ، ١٩٧ ، ٧ / ٥٠ ، ٨ / ١٦٢ ، ١٨٢ ، ٩ / ١٦٩) ثم قارن ذلك برواية التوراة التي جعلتهن لفا «سبع مائة من النساء السيدات ، وثلاث مائة من السراري (ملوك أول ١١ / ١ ـ ٤) وكذا قارنه بما جاء في كتب المفسرين والمؤرخين التي وافقت رواية التوراة (تاريخ ابن خلدون ١ / ١١٣ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٢٩) وفي رواية اليعقوبي ١ / ٥٩) أنهن سبعمائة ، وفي تفسير الطبري (٢٣ / ١٦٢ ـ ١٦٣) عن ابن عباس قال : كان سليمان في ظهره ماء مائة رجل بان له ثلاث مائة امرأة ، وتسع مائة سرية».
(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٧ ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٥٦٤٥ ـ ٥٦٤٦.