وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا ، وكأنما أريد بهذه الرحلة المباركة إعلان وراثة النبي الخاتم محمد صلىاللهعليهوسلم لمقدسات الرسل قبله ، واشتمال رسالته على هذه المقدسات ، وارتباط رسالته بها جميعا ، ولهذا فقد جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم ، والرئيس المقدم ، صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين ، ومن ثم فقد كانت رحلة الإسراء ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان ، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان ، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى (١).
ولعل سائلا يتساءل : من هذا الذي نال شرف بناء المسجد الأقصى؟
أخرج الإمام أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والنسائي (واللفظ له) بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : إن سليمان بن داود عليهماالسلام ، لما بنى بيت المقدس سأل الله عزوجل خلا لا ثلاثة ، سأل الله عزوجل حكما يصادف حكمه فأوتيته ، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله عزوجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه» (٢).
وروى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ، قال المسجد الحرام ، قلت ثم أي ، قال المسجد الأقصى ، قلت كم كان بينهما ، قال أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٢١٢ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥.
(٢) سنن النسائي ٢ / ٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥١ ، انظر : جامع الأصول ج ٩ حديث ٦٣٠٧ ، صحيح الجامع الصغير : حديث ٢٠٨٦ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٦ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٥٨.