بعده فصله ، فإن الفضل فيه» (١) ، وفي رواية عن أبي ذر أيضا قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ، قال المسجد الحرام ثم قلت أي ، قال المسجد الأقصى ، قلت كم بينها ، قال أربعون سنة ، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد» (٢). هذا وقد أثار هذان الحديثان الشريفان جدلا بين العلماء ، على أساس أن إبراهيم عليهالسلام هو باني البيت الحرام ، وأن سليمان عليهالسلام هو باني المسجد الأقصى ، وبينهما ما يقرب من ألف عام (٣) ، ومن ثم فقد ذهب أبو جعفر الطحاوي بأن الوضع غير البناء ، والسؤال عن مدة ما بين وضعهما ، لا عن مدة ما بين بنائهما ، فيحتمل أن يكون واضع المسجد الأقصى بعض الأنبياء قبل داود وسليمان ، ثم بنياه بعد ذلك (٤) ، ولعل قريبا من هذا ما ذهب إليه ابن الجوزي والقرطبي بأنه ليس المراد أن إبراهيم عليهالسلام هو الذي أسس بناء الكعبة المشرفة (٥) ، ولا أن سليمان عليهالسلام بنى بناء بيت المقدس ، وإنما هما جددا ما كان قد
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٧ ، صحيح مسلم ١ / ٣٧٠.
(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ـ ١٥٤ (القاهرة ١٩٧١) ، مسند الإمام أحمد ٥ / ١٥٠ ، ١٦٧ ، تفسير الطبري ٧ / ٢٢ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٣ ، تفسير القرطبي ص ١٣٧٩ ، تفسير المنار ٤ / ٦ ـ ٧.
(٣) الواقع أن الفترة بين وفاة إبراهيم وولادة سليمان عليهماالسلام ، لا تصل أبدا إلى ألف عام ، فإبراهيم عاش في الفترة (١٩٤٠ ـ ١٧٦٥ ق. م) وسليمان عاش في الفترة (٩٧٣ ـ ٩٢٢ ق. م).
(٤) صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ (هامش / ٢).
(٥) الرأي عندي أن الكعبة المشرفة ترجع في بنائها إلى إبراهيم وولده إسماعيل عليهماالسلام ، دون غيرهما من العالمين ويرى ابن كثير وغيره من العلماء أنه لم يجيء في خبر صحيح عن المعصوم صلىاللهعليهوسلم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليهالسلام ، ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر ، لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته ، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمن إبراهيم (ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٦٣ ، ٢ / ٢٩٨ ، تفسير المنار ١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، الكشاف ١ / ٤٤٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٧٠ ، محمد بيومي مهران : دراسات تاريخية في القرآن الكريم ١ / ١٨٣ ـ ١٨٥.