عن بناء المسجد الأقصى ، والذي تدعوه بيت الرب ، حيث تذهب إلى أن مكان البيت إنما كان على جبل المريا في بيدر أرونة اليبوسي ، فاشتراه منه داود ومعه بقر للقرابين بخمسين شاقلا من الفضة (١) ، هذا وتشير الرواية بوضوح إلى أن داود عليهالسلام إنما كان أول من فكر في إقامة بيت للرب ، إلا أن فكرته هذه لم تجد قبولا حسنا من رب إسرائيل ، الذي كان يدخر هذا العمل لولده سليمان (٢) ، ومع ذلك فإن داود عليهالسلام ، قبل أن ينتقل إلى جوار ربه ، راضيا مرضيا عنه ، أراد أن يسجل معاونته الفعالة لولده سليمان في إقامة بيت الرب ، فأخذ يجهز المواد اللازمة للبناء ، وكان القوم في عصره ما يزالون في بداوة بدائية ، يندر فيهم من يعرف أصول حرفة أو صناعة أو علم من علوم الدنيا ، وسنرى أن الاعتماد على الفينيقيين كان الحل الوحيد الممكن أمام داود وسليمان حتى يرتفع هيكل الرب ، ونقرأ في التوراة أن داود قد «أمر بجميع الأجانب الذين في أرض إسرائيل فاتخذ نحاتين لنحت حجارة مربعة لبناء بيت الله ، وهيأ داود حديدا كثيرا للمسامير لمصاريع الأبواب والأوصال ، ونحاسا كثيرا بلا وزن ، وخشب أرز لم يحدد له عدد» ، هذا فضلا عن كميات كبيرة من الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب (٣).
وهكذا ، وفي ربيع السنة الرابعة من عهد سليمان (حوالي عام
__________________
(١) من عجب أن بعض الروايات العربية التي تنسب إلى أبي بن كعب تذهب إلى أن صاحب المكان غلام إسرائيلي ، وليس يبوسيا كنعانيا ، وأن داود أراد أن يغتصبه منه ، فنهاه ربه عن ذلك ، ومن ثم فقد اشتراه بتسعة قناطير من الذهب (السمهودي : وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ١ / ٣٤٣ ط القاهرة ١٣٢٠ ه) والثمن جهد مغالا فيه ، بل إن رواية التوراة جعلت ثمنه هو والبقر ، خمسين شاقلا من الفضة صموئيل ثان ٢٤ / ٢٤).
(٢) صموئيل ثان ٧ / ١ ـ ١٧ ، ٢٤ / ٢٦ ـ ٢٤ ، ملوك جول ٢ / ٢ ، وانظر : تفسير ابن كثير ١ / ٥٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٥٨ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ١١١ ، ابن الأثير ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨.
(٣) أخبار أيام أول ٢٢ / ٢ ـ ١٦ ، أخبار أيام ثان ٢ / ١٧ ـ ١٨.