يعاب على النفي الجزاف ، والحق أن إنكارنا لأمر تجمع عليه التوراة والإنجيل والقرآن العظيم ، لا يتفق ومنهج البحث العلمي ، فضلا عن تعارضه مع إيماننا بما جاء في كتب السماء بإجماع ، أضف إلى ذلك إنه ليس في زيارة ملكة سبأ لسليمان عليهالسلام أمرا مستحيلا ، أو تصرفا شاذا يستوجب الاستنكار ، كما يجنح إلى ذلك بعض الباحثين (١) ، وخاصة إذا كان هؤلاء الباحثون لهم دراية بقصص القرآن.
على أن هناك فريقا آخر من الباحثين إنما يذهب إلى أن هذه القصة لا يمكن فهمها جيدا ، إلا إذا قدّرنا أن السبئيين إنما كانوا يقطنون في شمال بلاد العرب (٢) ، ولعل أصحاب هذا الرأي ممن يذهبون إلى أن السبئيين إنما ترجع أصولهم الأولى إلى شمال بلاد العرب ، في بلاد الجوف أو قريبا منها ، وليس في جنوبها (٣) ، وأن دولتهم الحقيقية لم تبدأ في جنوب بلاد العرب ، إلا حوالي عام ٨٠٠ قبل الميلاد (٤) ، أي بعد هذه الأحداث بما يقرب من القرن ونصف القرن من الزمان ، ومن ثم فإن هذه الملكة التي زارت سليمان عليهالسلام ، لم تكن ملكة سبأ الشهيرة في اليمن ، وإنما كانت ملكة على مملكة
__________________
(١) محمد عزة دروزة : تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ـ بيروت ١٩٦٩ ص ١٦٢ ـ ١٦٣.
(٢) فريتز هومل : التاريخ العربي القديم ص ٦٣ (مترجم).
(٣) انظر عن : السبيئيين والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي (محمد بيومي مهران : دراسات في تاريخ العرب القديم ص ٢٦٥ ـ ٢٧٠).
(٤) يرى بعض الباحثين أن عصر مملكة سبأ إنما يبدأ حوالي عام ٧٥٠ ق. م ويرى آخرون أنه كان حوالي عام ٨٠٠ ق. م ، ويذهب فريق ثالث إلى أنه كان في القرن التاسع قبل الميلاد ، والرأي عندي أنه كان في القرن العاشر ، أو قبله بقرن ، اعتمادا على علاقة ملكة سبأ بسليمان عليهالسلام ، والذي كان ، فيما يجمع المؤرخون ، يعيش في القرن العاشر قبل الميلاد (انظر : محمد بيومي مهران : المرجع السابق ص ٢٧١ ـ ٢٧٣ ، جواد على : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٢ / ٢٦٩ ، وكذاBASOR , ٣٨.p ، ١٩٥٥ ، ١٧٣ وكذا R. Bowen and W. Albright, Archaeological Discoveries in South Arabia, ٣٧.p ، ١٩٥٨ وكذاA.Grohmann ,Arabien ,Munchen , ١٢٢.p ، ١٩٦٣.