والتي سنوردها هنا بنصها كاملا فيما بعد ، ليعرف تماما أن الملك سليمان ما كان في استطاعته مثلا أن يفعل بعرشها ما فعل ، وإنما الذي يستطيع ذلك ، بإذن الله ، إنما هو سليمان النبيّ ، ذلك لأن ما حديث إنما كان يمثل معجزة للنبي الكريم ، سيدنا سليمان عليهالسلام ، وصدق الله العظيم حيث يقول تعالى ، على لسان سليمان ، (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ، وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (١).
أضف إلى ذلك أن سليمان عليهالسلام ، كما رأينا من قبل ، قد منحه الله تعالى كثيرا من المعجزات ، فقد علمه الله منطق الطير وسائر لغات الحيوان ، فكان يفهم عنها ما لا يفهمه سائر الناس ، وربما تحدث معها ، كما كان الأمر مع الهدهد والنمل ، كما كان جند سليمان عليهالسلام مؤلفا من الإنس والجن والطير ، وقد نظم لهم أعمالهم ورتب لهم شئونهم ، فإذا خرج خرجوا معه في موكب حافل يحيط به الجند والخدم من كل جانب ، فالإنس والجن يسيرون معه ، والطير تطلّله بأجنحتها من الحر ، هذا فضلا عن تسخير الريح له ، بل وتسخير طائفة من الجن ومردة الشياطين يعملون له من الأعمال ما يعجز عنها البشر ، كبناء الصروح الضخمة والقصور العالية والقدور الراسيات والجفان التي تشبه الأحواض ، وأخيرا ، وليس آخرا ، فكما الآن الله الحديد لداود أبيه ، فقد أسال له عين القطر (٢) ، وكل تلك أمور من معجزات النبي سليمان عليهالسلام ، وما كان ولن يكون أبدا لملكة سبأ ، أيا كانت ، شيء من ذلك ، ومن ثم فالمقارنة بين البلاطين غير ذي موضوع.
__________________
(١) سورة النمل : آية ٣٨ ـ ٤٠.
(٢) انظر سورة الأنبياء : آية ٨١ ـ ٨٢ ، النمل : آية ١٥ ـ ٣١ ، سبأ : آية ١٢ ـ ١٣ ، ص : آية ٣٠ ـ ٤٠.