ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أننا نستطيع أن نقدم ، من آي الذكر الحكيم ومن دراستنا لتاريخ العرب القديم ، كثيرا من الأدلة التي تشير بوضوح إلى أن ملكة سبأ التي زارت سليمان عليهالسلام ، إنما كانت ملكة عربية جنوبية ، وأنها كانت تجلس على عرش مملكة سبأ المشهورة في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية والتي منها (أولا) أن الذي يفهم صراحة من القصة القرآنية أن سليمان عليهالسلام ، لم يكن يعرف شيئا عن هذه الملكة سواء من ناحية دولتها أو ديانتها (١) ، ومن هنا نراه يقول للهدهد ، بعد أن أعلمه خبرها قال : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢) ، وليس من المقبول أن يكون سليمان ، وهو الملك العظيم ، كما هو النبي الكريم ، لا يعرف شيئا عن ملكة سبئية تقيم في مجاورات فلسطين ، وعلى تخوم دولته ، خاصة وأن هناك علاقات تجارية بين سبأ وفلسطين ، تتولى أمرها الجالية السبئية في العلا ومعان ، كما أن فلسطين مقر دولة سليمان ، إنما تقع في نهاية طريق القوافل التي تشرف عليهما الجالية السبئية في واحة «ديدان» (العلا) ومعون (معان) ، هذا فضلا عن أن «عصيون جابر» (تل الخليفة على الطرف الشمالي لخليج العقبة) وكانت نقطة بداية تحرك أسطول سليمان التجاري ، إنما كانت تمثل محطة هامة في طريق القوافل التجارية القادمة من جنوب بلاد العرب إلى وادي عربة وشرق الأردن حتى سورية ، وهو طريق ذو أهمية خاصة للملك سليمان (٣) ، فكيف لا يعرف سليمان شيئا عن هذه الملكة الشمالية ، سواء كانت ملكة لمملكة مستقلة أو على الجاليات السبئية في العلا ومعان ، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن هذه الملكة التي زارت سليمان إنما كانت ملكة في جنوب بلاد العرب حيث تقع دولة سبأ المشهورة.
__________________
(١) سورة النمل : آية ٢٢ ـ ٢٦.
(٢) سورة النمل : آية ٢٧.
(٣) O. Eissfeldt, The Hebrew Kingdom, in CAH, II, Part ٢, Cambridge, ٥٩٣.p ، ١٩٧٥.