ومنها (ثانيا) أن النص القرآني صريح في أن هذه الملكة إنما كانت ملكة دولة سبأ ، قال تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) فالآية الكريمة تحدد هنا مجيء الهدهد من سبأ ، ولا يعرف التاريخ دولة بهذا الاسم غير دولة سبأ المعروفة في جنوب غرب بلاد العرب ، ومنها (ثالثا) أن وصف القرآن الكريم لملكة سبأ بها (أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) (١) ، يجعلها يقينا ملكة جنوبية ، وليست شمالية ، بخاصة وأن القرآن الكريم يصف قومها بالقوة والبأس الشديد ، قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ، «ويصف هذه الملكة بأنها صاحبة الأمر والنهي في دولتها. (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) (٢) ، ومن ثم فإن ما جاء في هاتين الآيتين الكريمتين من أوصاف لهذه الملكة وقومها ، لا يمكن أن ينطبق على ملكة صغيرة في شمال شبه الجزيرة العربية ، وإنما على ملكة عظيمة تجلس على عرش دولة عظيمة تدعى سبأ ، ولا يعرف التاريخ دولة بهذه الأوصاف سوى مملكة سبأ المشهورة في جنوب غرب بلاد العرب ، وبعبارة أخرى ، فإن هذه الملكة إنما هي ، على وجه اليقين ، ملكة جنوبية ، وليست شمالية.
ومنها (رابعا) أنه من المعروف أن العرب الشماليين إنما كانوا يعبدون الأصنام ، بينما سادت عبادة الكواكب عند العرب الجنوبيين ، وخاصة عبادة ذلك الثالوث المشهور ، والمكون من القمر والشمس والزهرة (وكانت الشمس تمثل فيه دور الأم ، ويمثل القمر دور الأب ، بينما كانت الزهرة تمثل دور الابن) وقد عبدت الشمس بصفة خاصة في ممالك معين وسبأ وحضرموت وقتبان (٣) ، والقرآن الكريم صريح في أن ملكة سبأ هذه وقومها إنما كان
__________________
(١) سورة النمل : آية ٢٣.
(٢) سورة النمل : آية ٣٣.
(٣) كانت إلهة الشمس تسمى عند المعينيين «نكرح» ، وعند السبيئيين» ذات غضرن» و «ذات حمى» (ذات حميم) بمعنى ذات حرارة أو «ذات الحمى» ، والحمى الموضع الذي يحمي ،