حَيْثُ أَصابَ) ، فكون الريح جاريا بأمره قدرة عجيبة وملك عجيب ، ولا شك أنه معجزة دالة على نبوته ، فكان قوله ؛ (هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) هو هذا المعنى لأن شرط المعجزة أن لا يقدر غيره على معارضتها ، فقوله : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) يعني لا يقدر أحد على معارضته ، وهناك وجه آخر أنه عليهالسلام لما مرض ثم عاد إلى الصحة ، عرف أن خيرات الدنيا صائرة إلى الغير بإرث أو بسبب آخر ، فسأل ربه ملكا لا يمكن أن ينتقل منه إلى غيره ، وذلك الذي سأله بقوله : (مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ، أي ملكا لا يمكن أن ينتقل عني إلى غيري (١).
وهكذا يبدو واضحا أن جمهرة المفسرين لا يذهبون إلى أن سليمان عليهالسلام ، سأل الله ملكا واسعا ، بمعنى مساحات واسعة من الأرضين ، وإنما سأل الله تعالى ملكا معجزا لا يكون لأحد غيره من بعده ، فكانت هذه المعجزات من تسخير الريح بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص ، وآخرين مقرنين في الأصفاد ، إلى غير ذلك من معجزات لم يشاركه فيها أحد ، كما أشرنا إلى كل ذلك في مكانه من هذه الدراسة ، ومن ثم فلا مكان للربط بين ملك شاسع المساحات ، كما ذهبت إلى ذلك بعض المصادر العربية ، وبين نبوة سليمان عليهالسلام ، وكأن مكانة النبي الكريم لا تكون إلا بملك الدنيا كلها ، كما ذهب البعض ، حيث جعلوا من سليمان عليهالسلام ، واحدا من أربعة (نمرود وبختنصر وذو القرنين وسليمان) ملكوا الدنيا بأسرها ، بل إن سليمان ، فيما يقولون ، «كان لا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أتاه حتى يذله» ، ونسوا ، أو تناسوا ، أن سليمان عليهالسلام ، لم يكن ، ولن يكون ، جبارا في الأرض ، وإنما كان رسولا نبيّا ، وهاديا إلى الله بإذنه ، ومبشرا ونذيرا ، ونسوا كذلك أن النبوة أشرف وأكرم من ملك الدنيا وما فيها ، وإن جمع الله لسليمان ، كما جمع لأبيه من قبل ، بين
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.