ومن عجب أن يزعم الحاخام «أبشتين» أن اختيار شاؤل (طالوت) ملكا على إسرائيل إنما يعتبر أول ملك دستوري في التاريخ ، لأنه تم برضى عام من بني إسرائيل (١) ، والحق أن الأحداث التاريخية لا تتفق ومزاعم «أبشتين» ، فالنبي صموئيل وليس بنو إسرائيل ، هو الذي اختار شاؤل ملكا ، اعتمادا على سلطته الدينية ، حيث فرضه عليهم كممثل معتمد لرب إسرائيل هذا إلى أن القوم لم يقبلوه جميعا ، فلقد رفضه «بنو بليعال» الذين ازدروه وقالوا : كيف يخلصنا هذا فاحتقروه ، ولم يقدموا له هدية فكان كأصم ، «على حد تعبير التوراة» (٢) ، وكما أشار إلى ذلك القرآن الكريم (٣) ، كما أن اختياره كان تجنبا لحرب أهلية يمكن أن تنشب ، لو وقع الاختيار على واحد من أبناء القبائل القوية دون الأخرى ، ومن هنا كان اختياره من أضعف أسباط بني إسرائيل.
وأما أنه كان أول ملك دستوري في التاريخ ، فيكذبه ، أننا حتى لو صدقنا ذلك ، فإن شاؤل قد اختير ملكا قبيل بداية الألف الأولى قبل الميلاد بأعوام قلائل ، بينما نعرف أن هناك ما يدل على تواجد التفكير الديمقراطي منذ الألف الثالثة قبل الميلاد في العراق القديم ، وأن انتخاب الحاكم الذي كان يرأس حكومة المدينة إنما كان يتم بناء على قرارات الجمعية العمومية ، والتي تتكون من جميع المواطنين ، وربما بما فيهم النساء كذلك (٤) ، هذا فضلا عن أن مصر الفرعونية قد عرفت منذ النصف الثاني من الألف الثالثة قبل الميلاد ، إنما لها من الديمقراطية ومن العدالة الاجتماعية على أيام الثورة الاجتماعية الأولى ، حتى أصبح الملك يوصف بأنه ليس أكثر من «ابن امرأة
__________________
(١).I.Epstein Judaism , ٣٥.p ، ١٩٧٠.
(٢) صموئيل أول ١٠ / ١١ ـ ٢٧.
(٣) سورة البقرة آية ٢٤٧.
(٤). T. Jacolison, Primitive Democracy in Ancient Mesopotamis, JNES, II, ١٦٥.p ، ١٩٤٣.