وأما قوله تعالى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١) ، فأما «الضغث» فهو ما يحمل من شيء مثل حزمة الرطبة ، وكملء الكف من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق ، وفي تفسير النسفي هو حزمه صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك ، وعن ابن عباس : قبضة من الشجر ، وعن قتادة : كانت امرأته قد عرضت له بأمر ، وأرادها إبليس على شيء ، فقال : لو تكلمت بكذا وكذا ، وإنما حملها عليها الجزع ، فحلف نبيّ الله : لئن الله شفاه ليجلدنها مائة جلدة ، قال : فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبا ، والأصل تكملة المائة ، فضربها ضربة واحدة ، فأبر نبيّ الله ، وخفف الله عن أمته ، والله رحيم ، وفي رواية في تفسير النسفي : كان أيوب حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ ، فحلل يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ، وهذه الرخصة باقية ، ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة ، والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة ، فخرج صدره ، وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين ، وكانتا متعلق أيوب إذا قام ، ويذهب الفخر الرازي إلى أنه يبعد ما قيل إنها رغبته في طاعة الشيطان ، ويبعد أيضا أنها خالفته في بعض المهمات ، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليضربنها مائة إذا برأ ، ومن ثم فرحمة من الله به وبزوجة التي قامت على رعايته وصبرت على بلائه وبلائها به ، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده ، فيضربها به ضربة واحدة ، تجزئ عن يمينه فلا يحنث فيها (٢).
ويذهب الرازي والنسفي إلى أن هذه الرخصة باقية ، وهي اليوم في الناس
__________________
(١) سورة ص : آية ٤٤.
(٢) تفسير الطبري ٢٣ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ، تفسير النسفي ٤ / ٤٣ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢١٥ ، في ظلال القرآن ٥ / ٣٠٢٢.