أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ، قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ، قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ، فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ، وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا ، وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) (١) ، كما جاء ذكرهما في سورتي الأنعام (آية ٨٥) والأنبياء (الآيات ٨٩ ـ ٩٠).
ولعل مما تجدر الإشارة إليه أن هناك بين القصة ، كما جاءت في سورتي آل عمران ومريم ، بعض المقابلات ، منها (أولا) أن الله تعالى بيّن في سورة مريم أن زكريا دعا ربه ولم يبين الوقت ، بينما بيّنه في آل عمران بقوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ، هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) ، والمعنى أن زكريا لما رأى خرق العادة في حق مريم طمع فيه في حق نفسه فدعا ، ومنها (ثانيا) أن الله تعالى صرح في آل عمران بأن المنادى هو الملائكة لقوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) ، وفي سورة مريم الأظهر أن المنادى بقوله تعالى : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) هو الله تعالى ، ولا منافاة بين الأمرين ، ومنها (ثالثا) أنه قال في آل عمران : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) ، فذكر أولا كبر نفسه ، ثم عقر المرأة ، وفي سورة مريم قال : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) ، وجوابه أن الواو لا تقتضي الترتيب ، ومنها (رابعا) قال
__________________
(١) سورة مريم : آية ٢ ـ ١٥ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٥٨ ـ ٧٤ ، تفسير الطبري ١٦ / ٤٥ ـ ٥٩ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠١ ـ ٢٣٠٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٧٩ ـ ١٩٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٢٨ ـ ٣٠ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٧٩ ـ ١٨٥.