تعالى في آل عمران ؛ (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) ، وفي مريم : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) ، وقد دلت الآيتان أن المراد ثلاثة أيام بلياليهنّ (١).
هذا وقد كان زكريا قد كفل مريم أم المسيح عليهمالسلام ، بعد وفاة أبيها عمران ، فقد كان زوجها لخالتها ، أو أختها ، على الأرجح ، كما سنرى إن شاء الله فيما بعد عند الحديث عن مريم البتول ، واتخذ لها محرابا (٢) ، وهو المكان الشريف في المسجد ، لا يدخله عليها أحد سواه ، وقد شاء الله تعالى أن يطلعه على كرامة مريم ، وجليل قدرها ، فكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا : (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، وكان زكريا عليهالسلام قد بلغ من الكبر عتيا ، وكانت امرأته عاقرا ، قال ابن عباس : كان ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته بنت تسع وتسعين (٣) ، فلما رأى من كرامات الله تعالى
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٩٥.
(٢) المحراب : هو الموضع العالي الشريف ، واحتج الأصمعي على أن المحراب هو الغرفة بقوله تعالى : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) ، والتسور لا يكون إلا من علو ، وقيل المحراب أشرف المجالس وأرفعها ، قال أبو عبيدة : سيد المجالس وأشرفها ومقدمها ، وكذلك هو من المسجد ، بل هو المكان الشريف في المسجد أو موقف الإمام ، ويقول الألوسي : اعلم أن الصلاة في المحاريب المشهورة الموجودة الآن في مساجد المسلمين قد كرهها جماعة من الأئمة ، وإلى ذلك ذهب سيدنا الإمام على كرم الله وجهه في الجنة ، وإبراهيم رحمهالله ، فيما أخرجه عنهما ابن أبي شيبة ، وهي من البدع التي لم تكن في العصر الأول ، فعن أبي موسى الجهني قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى» ، وعن عبد الله بن أبي الجعد قال : «كان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم يقولون : إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد» ، وعن ابن عمر قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا هذه المذابح» ، يعني المحاريب ، والروايات في ذلك كثيرة ، وللإمام السيوطي رسالة مستقلة فيها (تفسير روح المعاني ٣ / ١٤٦ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٣٠ ، تفسير البحر المحيط ٢ / ٤٣٣).
(٣) تذهب رواية أخرى إلى أن سن زكريا كان مائة ، وسن زوجته تسعا وتسعين ، وقيل كان له من