لمريم ، البنية الصالحة المرزوقة ، طمع في فضل الله ورحمته ، يقول الفخر الرازي : والجمهور الأعظم من المحققين والمفسرين أن زكريا عليهالسلام رأى عند مريم من فاكهة الصيف في الشتاء ، ومن فاكهة الشتاء في الصيف ، فلما رأى خوارق العادات عندها طمع في أن يخرقها الله تعالى في حقه أيضا ، فيرزق الولد من الزوجة الشيخة العاقر (١) ، ومن ثم فقد أخذت تحرك في نفسه ، وهو الشيخ الذي لم يوهن ذرية ، تلك الرغبة الفطرية القوية في النفس البشرية ، الرغبة في الذرية ، وفي الامتداد وفي الخلف ، وتلك الرغبة التي لا تموت في نفوس العبّاد الزهاد الذين وهبوا أنفسهم للعبادة ونذروها للهيكل ، إنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، لحكمة عليا في امتداد الحياة وارتقائها (٢) ، ومن ثم فإنه يتوجه إلى ربه يناجيه ، ويطلب منه أن يهب له من لدنه غلاما تقيا يرثه النبوة وهداية بني إسرائيل ، ويجعله من عباده الصالحين : (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ، وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٣) (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٤).
وهكذا تشير الآيات الكريمة إلى أن زكريا يشكو إلى ربه وهن العظم ،
__________________
العمر تسع وتسعون ، وقيل اثنتان وتسعون ، وقيل خمس وثمانون ، وقيل خمس وسبعون ، وقيل سبعون ، وقيل ستون (تفسير الفخر الرازي ٨ / ٣٩ ، ٢٢ / ٢١٧ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٤٩).
(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٣٢ ـ ٣٣.
(٢) في ظلال القرآن ١ / ٣٩٣.
(٣) اتفق أكثر المفسرين على أن «يعقوب» هنا ، هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهمالسلام ، فإن زكريا من ولد هارون من نسل لاوى بن يعقوب ، وكان متزوجا من أخت مريم بنت عمران ، وهي من ولد سليمان بن داود من نسل يهوذا بن يعقوب ، وإن ذهب آخرون (الكلبي ومقاتل) أن يعقوب هنا ، هو يعقوب بن ماثان أخو عمران والد مريم البتول ، بينما ذهب فريق ثالث إلى أنه أخو زكريا نفسه (روح المعاني ١٦ / ٦٢).
(٤) سورة مريم : آية ٤ ـ ٦ ، وانظر : آل عمران : آية ٣٨ ـ ٤١.