الروايات ترجع إلى أحد أمور خمسة وهي المال ومنصب الحبورة والعلم والنبوة والسيرة الحسنة ، ولفظ الإرث مستعمل في كلها ، أما في المال ، فلقوله تعالى : (أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) ، وأما في العلم فلقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم» ، وثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا نورث ما تركنا صدقة» ، وفي رواية عن الترمذي بإسناد صحيح : «نحن معشر الأنبياء لا نورث» ، وقال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ، وهذا يحتمل وراثة الملك والنبوة ، وعلى أي حال ، فلقد ثبت أن اللفظ محتمل لكل تلك الوجوه (١).
هذا وقد احتج من حمل اللفظ على وراثة المال بالخبر والمعقول ، فأما الخبر فلقد أخرج ابن جرير في التفسير بسنده عن الحسن قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : رحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول فهب لي من لدنك وليا ، يرثني ويرث من آل يعقوب» ، وعن قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ هذه الآية ، وأتى على «يرثني ويرث من آل يعقوب» ، قال : رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته» (٢) ، وظاهر ذلك يدل على أن المراد إرث المال ، وثانيهما : أنه قال «واجعله رب رضيا» ، ولو كان المراد من الإرث إرث النبوة ، لكان سأل جعل النبي رضيا ، وهو غير جائز ، لأن النبي لا يكون إلا رضيا معصوما ، وأما قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» ، فهذا لا يمنع أن يكون خاصا به ، وأما من حمله على العلم أو المنصب والنبوة ، فقد احتج بما علم من حال الأنبياء أن اهتمامهم لا يشتد
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ / ١٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٨٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٢٩ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٠.
(٢) تفسير الطبري ١٦ / ٤٨ (بيروت ١٩٨٤).