دعا زكريا أن يهبه من لدنه وليا ، أي ولدا من صلبه ، ويؤيده (أولا) قوله تعالى في آل عمران حكاية عنه : (قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) ، و (ثانيا) قوله تعالى في سورة مريم : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ، و (ثالثا) قوله تعالى في الأنبياء : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) ، وهذا يدل على أنه سأل الولد ، لأنه قد أخبر في سورة مريم أن له موالي ، وأنه غير منفرد عن الورثة ، وهذا ، وإن أمكن حمله على وارث يصلح أن يقوم مقامه ، لكن حمله على الولد أظهر (١).
وأما قوله تعالى : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ، فقد اختلف العلماء في المراد بالميراث هنا على وجوه ، أحدهما : أن المراد بالميراث في الموضوعين هو وراثة لمال ، وهذا قول ابن عباس والحسن والضحاك ، وثانيهما : المراد في الموضعين وراثة النبوة ، وهو قول أبي صالح ، وثالثها : يرثني المال (٢) ، ويرث من آل يعقوب النبوة ، وهو قول السّدى ومجاهد والشعبي ، وروى أيضا عن ابن عباس والحسن البصري والضحاك ، وعن أبي صالح قال : يرث مالي من آل يعقوب النبوة ، وفي تفسير الطبري : يرثني من بعد وفاتي مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة ، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب ، ورابعها : يرثني العلم ويرث من آل يعقوب النبوة ، وهذا مروى عن مجاهد ، وقال البيضاوي : المراد وراثة الشرع والعلم ، فإن الأنبياء لا يورثون مالا ، وقال النسفي : أي هب لي ولدا وارثا مني العلم ومن آل يعقوب النبوة ، ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى إليه ، ولم يرد أن نفس النبوة تورث ، كما أشرنا من قبل إلى ذلك مرارا ، ويقول الفخر الرازي : أن هذه
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٨٣.
(٢) جاء في تفسير ابن كثير (١ / ١٧٩ ـ ١٨٠) : وفي صحيح البخاري أنه كان نجارا يأكل من عمل يده في التجارة ، ومن ثم فلم يذكر أنه كان ذا مال ، بل كان نجارا يأكل من كسب يده ، ومثل هذا لا يجمع مالا ، ولا سيما الأنبياء فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.