وعن أبي مسلم المولي يراد به الناصر ، وابن العم والمالك والصاحب ، وهو هنا من يقوم بميراثه مقام الولد ، والمختار أن المراد من الموالي الذين يخلفون بعده ، إما في السياسة أو في المال الذي كان له في القيام بأمر الدين ، فقد كانت العادة جارية أن كل من كان إلى صاحب الشرع أقرب ، فإنه كان متعينا في الحياة ، وعلى أي حال ، فهم على سائر الأقوال شرار بني إسرائيل فخاف عليهالسلام أن لا يحسنوا خلافته في أمته ، وكان زكريا يخشاهم ألا يقوموا على تراثه بما يرضاه ، وتراثه هو دعوته التي يقوم عليها ، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل البارزين ، وأهله الذين يرعاهم ، ومنهم مريم البتول التي كان قيّما عليها وهي تخدم المحراب الذي يتولاه ، وماله الذي يحسن تدبيره وإنفاقه في وجهه ، وهو يخشى الموالي من ورائه على هذا التراث كله ، ويخشى ألا يسيروا فيه سيرته ، لأنه يعهدهم غير صالحين للقيام على ذلك التراث (١) ، على أن هناك من يرى احتمال أن يكون الله تعالى قد أعلمه أنه لم يبق من أنبياء بني إسرائيل نبيّ له أب إلا واحد ، فخاف أن يكون ذلك من بني عمه ، إذ لم يكن له ولد ، فسأل الله تعالى أن يهب له ولدا يكون هو ذلك النبي ، وذلك يقتضي أن يكون خائفا من أمر يهتم بمثله الأنبياء ، وإن لم يدل على تفصيل ذلك ، ولا يمتنع أن زكريا كان إليه ، مع النبوة ، السياسة من جهة الملك وما يتصل بالإمامة ، فخاف منهم بعده على أحدهما أو عليهما ، ومن أجل ذلك
__________________
ـ له ، ولا والد ، فلما ولي عمر رضي الله تعالى عنه ، قال إني لأستحي أن أخالف أبا بكر في رأيه ، وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن طاوس قال : سمعت ابن عباس يقول : كنت آخر الناس بعمر فسمعته يقول : الكلالة من لا ولد له ولا والد ، وهكذا قال الإمام علي وابن مسعود ، وبه يقول الشعبي والنخعي والحسن البصري وقتادة وجابر بن زيد والحكم ، وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة ، وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمع السلف والخلف ، وقد حكي الإجماع عليه غير واحد ، وإن روى عن ابن عباس أيضا أنه من لا ولد له ، والصحيح الأول (تفسير ابن كثير ١ / ٦٩٣ ، تفسير الطبري ٤ / ٢٨٣ ـ ٢٨٩).
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٨٢ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٢.