لهن وهدايته إياهن ، بل وقد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو ، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره ، فقال : «حبب إلي من دنياكم» ، والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ، ليس أنه لا يأتي النساء ، بل معناه كما قاله هو وغيره : أنه معصوم من الفواحش والقاذورات ، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن ، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم ، حيث قال : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) كأنه قال : ولدا له ذرية ونسل وعقب (١) ، وأما ما أخرجه الحفاظ ، على تقدير صحته ، يمكن أن يقال إنه من باب التمثيل والإشارة إلى عدم انتفاعه عليهالسلام بما عنده لعدم ميله للنكاح لما أنه في شغل شاغل عن ذلك.
ومن هنا قيل : إن التبتل لنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح ، استدلا لا بحال يحيى عليهالسلام ، ومن ذهب إلى خلافه احتج بما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة ، رجل جعله الله تعالى ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء ، وامرأة جعلها الله تعالى أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال ، والذي يضل الأعمى ، ورجل حصور ، ولم يجعل الله تعالى حصورا ، إلا يحيى بن زكريا» ، وفي رواية «لعن الله تعالى والملائكة رجلا تحصر بعد يحيى بن زكريا» ، ويجوز أن يراد بالحصور المبالغ في حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع المقدرة ، وقد كان حاله عليهالسلام كذلك ، وأخرج عبد الرازق عن قتادة موقوفا ، وابن عساكر عن معاذ بن جبل مرفوعا ، أنه عليهالسلام مرّ في صبيان يلعبون فدعوه إلى اللعب فقال : «ما للعب خلقت» (٢).
وأما (رابعا) فكان نبيا من الصالحين : وهذه بشارة ثانية بنبوة يحيى عليه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ١ / ٥٤١ ـ ٥٤٢.
(٢) تفسير روح المعاني ٣ / ١٤٨.