أخرى كالنواة ، وفي بعض كهدبة الثوب ، وتذهب جمهرة العلماء إلى أن هذا الرأي غير مقبول أصلا ، لأن هذه من صفات النقصان ، وذكر صفة النقصان ، في معرض المدح لا يجوز ، ولأنه على هذا التقدير لا يستحق به ثوابا ولا من تعظيما ، وأما القول الثاني ، وهو اختيار المحققين أنه الذي لا يأتي النساء ، لا للعجز ، بل للعفة والزهد ، وذلك لأن الحصور هو الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها ، والمنع إنما يحصل أن لو كان المقتضى قائما ، فلولا أن القدرة والداعية كانتا موجودتين ، وإلا لما كان حاصرا لنفسه ، فضلا عن أن يكون يكون حصورا ، لأن الحاجة إلى تكثير الحصر والدفع إنما تحصل عند قوة الرغبة والداعية والقدرة ، وعلى هذا الحصور بمعنى الحاصر ، فعول بمعنى فاعل (١).
وقال القاضي عياض في الشفا (٢) : اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان «حصورا» ، ليس كما قال بعضهم إنه كان هيوبا ولا ذكر له ، بل قد أنكر ذلك حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا : هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهمالسلام ، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب ، أي لا يأتيها كأنه حصور عنها ، وقيل مانعا نفسه من الشهوات ، وقيل ليست له شهوة في النساء ، وقد بان ذلك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص ، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها ، إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله عزوجل كيحيى عليهالسلام ، ثم هي في حق من قدر عليها ، وقام بالواجب فيها ، ولم تشغله عن ربه ، درجة عليا ، وهي درجة نبيا صلىاللهعليهوسلم الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادته ربه ، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن وإكسابه
__________________
(١) تفسير روح المعاني ٣ / ١٤٨ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٣٦ ـ ٣٧ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.
(٢) القاضي عياض اليحصبي : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٨٨ ـ ٨٩ (بيروت ١٩٧٩) ، شرح الشفا للملا على القاري ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ (دار الكتب العلمية ـ بيروت).