هذا وقد أثنى الله تعالى على يحيى عليهالسلام بالثناء العاطر ، ووصفه بالبر والتقوى والصلاح والاستقامة قال تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ، وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا ، وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا ، وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) (١).
ويقول المفسرون أن الله تعالى وصف يحيى عليهالسلام في هذه الآيات بصفات تسع ، منها (أولا) أن الله تعالى أعطاه الكتاب ، والكتاب هو التوراة ، كتاب بني إسرائيل من بعد موسى عليهالسلام ، وعليه كان يقوم أنبياؤهم يعلمون به ويحكمون وهو نعمة الله على بني إسرائيل ، قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) (٢) ، ويقول ابن عطية : أن الإجماع هو التوراة ، على أن «أل» للعهد ، ولا معهود إذ ذاك سواها ، فإن الإنجيل لم يكن موجودا حينئذ ، كما خص كثير من الأنبياء عليهمالسلام بمثل ذلك ، وقيل المراد بالكتاب صحف إبراهيم عليهالسلام ، وقيل المراد الجنس ، أي كتاب الله تعالى ، وعلى أي حال ، فإن يحيى قد ورث أباه زكريا ، ونودى ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم ، لا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة (٣).
ومنها (ثانيا) آتاه الله الحكم صبيا : وهكذا كان يحيى عليهالسلام ، فذا في زاده لينهض بالتبعة الكبرى ، كما كان فذا في اسمه وفي ميلاده ، فالحكمة تأتي متأخرة ، ولكن يحيى قد زوّد بها صبيا (٤) ، أخرج أبو نعيم وابن مردوية والديلمي عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في ذلك : أعطى الفهم وهو ابن سبع سنين ، وجاء في رواية أخرى عنه مرفوعا أيضا ، قال الغلمان ليحيى
__________________
(١) سورة مريم : آية ١٢ ـ ١٥.
(٢) سورة الجاثية : آية ١٦.
(٣) تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٢ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٤.
(٤) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٤.