بن زكريا عليهماالسلام : اذهب بنا نلعب ، فقال : أللعب خلقنا ، اذهبوا نصلي ، فهو قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ، وقد اختلف العلماء في معنى «الحكم» هنا ، فمن قائل أنها بمعنى الحكمة ، وهي الفهم في التوراة والفقه في الدين ، قال الطبري : المعنى أعطيناه الفهم لكتاب في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال ، ومن قائل إنها بمعنى العقل والفراسة الصادقة ، ومن قائل إنها النبوة وعليه كثير ، قالوا : أوتيها وهو ابن ثلاثين ، وقبل وهو ابن سبع سنين أو ابن اثنتين ، ولم يتنبأ أكثر الأنبياء عليهمالسلام قبل الأربعين ، وإن رأى البعض أن الحكم هنا ليس بمعنى النبوة ، فهي على سن الأربعين ، وإنما المراد الفهم والفقه في الدين ، وهو غير الحكمة المفسرة بالنبوة ، كما في الآية (٢٥١) من سورة البقرة ، والتي جاءت في حق داود عليهالسلام (١).
هذا ويرجح الفخر الرازي في التفسير الكبير أنها النبوة ، ذلك لأن الله تعالى قد أحكم عقله في صباه وأوحى إليه ، وذلك لأن الله تعالى بعث يحيى وعيسى عليهماالسلام ، وهما صبيان ، لا كما بعث موسى ومحمد عليهماالسلام ، وقد بلغا الأشد ، والأقرب حمل الحكم على النبوة لوجهين ، الأول : أن الله تعالى ذكر في هذه الآية صفات شرفه ومنقبته ، ومعلوم أن النبوة أشرف صفات الإنسان ، فذكرها في معرض المدح أولى من ذكر غيرها ، فوجب أن تكون نبوته مذكورة في هذه الآية ، ولا لفظ يصلح للدلالة على النبوة إلا هذه اللفظة فوجب حملها عليها ، والثاني : أن الحكم هو ما يصلح لأن يحكم به على غيره ولغيره على الإطلاق ، وذلك لا يكون إلا بالنبوة ، فإن قيل كيف يعقل حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟ قلنا هذا السائل ، إما أن يمنع من خرق العادة أو لا يمنع ، فإن منع منه فقد سدّ
__________________
(١) تفسير الطبري ١٦ / ٥٤ ـ ٥٥ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٠ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٣ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٢ ، صفوة التفاسير ٢ / ٢١٣ ، تفسير الكشاف ٢ / ٥٠٤.