باب النبوات لأن الأنبياء بناء الأمر فيها على المعجزات ، ولا معنى لها إلا خرق العادات ، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد ، فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلا ، أشد من استبعاد انشقاق القمر ، وانفلاق البحر (١).
ومنها (ثالثا) وحنانا من لدنا : أي أن الله آتاه الحنان هبة لدنية لا يتكلفه ولا يتعلمه ، وإنما هو مطبوع عليه ، ومطبوع به ، والحنان صفة ضرورية للنبي المكلف رعاية القلوب والنفوس ، وتألفها واجتذابها إلى الخير في رفق ، وعن زيد أن الحنان هنا المحبة ، وهو رواية عكرمة ، أي وآتيناه محبة من لدنا ، والمراد جعلناه محببا عند الناس ، فكل من رآه أحبه ، نظير قوله تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) ، وعن عطاء بن رباح أي آتيناه الحكم صبيا تعظيما ، إذ جعلناه نبيا وهو صبي ، ولا تعظيم أكثر من هذا ، والدليل عليه ما روى أنه مرّ وورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب قد ألصق ظهره برمضاء البطحاء ، ويقول : أحد أحد ، فقال : والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لاتخذته حنانا أي معظما (٢).
ومنها (رابعا) وزكاة : والزكاة : الطهارة من الدنس والآثام والذنوب ، وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح ، وقال الضحاك وابن جريح : العمل الصالح الزكي ، وقال العوفي عن ابن عباس : وزكاة ، قال بركة ، والمعنى آتاه الله الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس ، فيطهرها ويزكيها (٣) ، ويقول الرازي (٤) : قوله تعالى : (وَزَكاةً) فيه وجوه ، أحدهما : المراد وآتيناه زكاة ، أي عملا صالحا زكيا ، كما روى عن ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جريح ، وثانيها : عن الحسن البصري :
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٩١ ـ ١٩٢.
(٢) تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٣ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.
(٣) تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٤ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٤.
(٤) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٩٣.