يعتقدون في نبوة يحيى عليهالسلام ، ولهذا فقد اكتفى بإلقائه في غياهب السجن ، وتنتهز «هيروديا» فرصة الاحتفال بعيد ميلاد هيرودوس ، وتتفق مع ابنتها «سالومي» على أن ترقص شبه عارية لعمها الملك ، وحين تنتهي من رقصتها ، ويفتتن الملك بها ، تطلب منه رأس يحيى على طبق ، وتفعل سالومي ما أشارت به أمها ، ويضطر هيرودوس إلى تنفيذ رغبة ابنة أخيه ، بناء على وعد منه أن يعطيها ما تريد ، أيا كان الذي تريد ، ومن ثم يأمر بقتل يحيى فورا بالسيف وأن يؤتي برأسه على طبق ليكون هذا ختام الاحتفال ، ثم يقدم الرأس الشريف إلى الداعرة سالومي التي قدمته بدورها إلى أمها ، وعندئذ يسرع تلاميذ يحيى فيرفعوا الجسد ويدفنوه ، ثم يخبروا السيد المسيح بالمأساة المروعة (١).
والأمر بهذه الصورة يحتاج ، فيما أرى إلى وقفة ، (فأولا) ليس هناك من ريب في أن سيدنا يحيى عليهالسلام ، وهو الذي يسميه النصارى يوحنا المعمدان ، نبيّ من أنبياء الله المصطفين الأخيار ، كما جاء في ذلك في القرآن الكريم ، وكما رأينا من
__________________
(١) أنظر : إنجيل متى ١٤ / ٣ ـ ١٢ ، إنجيل مرقس ٦ / ١٦ ـ ٣٠ ، تاريخ يوسفيوس ص ٢١٤ ، قاموس الكتاب المقدس ٢ / ١٠١١ ، فيلب حتى : المرجع السابق ص ٤٢٠ ـ ٤٢٢ ، عبد الرازق نوفل : يوحنا المعمدان ـ القاهرة ١٩٧٧ م ص ٦١ ـ ٦٨ ، وكذاM.F.UNGer ,Unger\'s Bible Dictionary , ٤٧٢.p ، ١٩٧٠ ـ ثم قارن : ابن الأثير : الكامل في التاريخ ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، تاريخ الطبري ١ / ٥٨٥ ـ ٥٩٣ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٧٢ ، مروج الذهب للمسعودي ١ / ٧٥ ـ ٧٦ ، غير أن المراجع العربية مضطربة في تأريخها لهذه الفترة ، حتى أنها تذهب إلى أن الله تعالى قد سلط على اليهود «بختنصر» (نبوخذ نصر ٦٠٥ ـ ٥٦٢ ق. م) جزاء وفاقا لما ارتكبوه في حق النبي الكريم يحيى عليهالسلام ، وأنه قتل منهم سبعين ألف رجل وامرأته ، هذا مع العلم بأن تاريخ «نبوخذ نصر» أصبح الآن من الحقائق التاريخية المسلم بها ، وهو أنه كان يعيش في أواخر القرن السابع ، وحتى عام ٥٦٢ من القرن السادس قبل الميلاد ، وأن سيدنا يحيى كان يعيش بعد ذلك بأكثر من خمسة قرون ونصف القرن ، حيث أنه عاصر المسيح عليهالسلام.