قبل ، وليس كما يقول إنجيل متى «لأنه كان عندهم مثل نبي» (١) أو أنه «رجل بار وقديس» كما يقول إنجيل مرقس (٢) ، (وثانيا) لما ذا يمنع يوحنا المعمدان (٣) هذا الزواج ، ومبلغ علمي أن التوراة ، والتي كان على شريعتها كل من هيرودوس وهيروديا ، لا تمنع ذلك الزواج ، بل تفرضه على المؤمنين بها ، بل إنها إنما تفرض كذلك أن ينسب الأبناء من هذا الزواج الجديد إلى الأخ المتوفي (٤) وإذا كان ذلك صحيحا فإن التفسير الآنف الذكر للحدث الخطير المحزن إنما هو تفسير أناجيل النصارى ، وما كان هيرودوس نصرانيا ، إنما كان ملكا يهوديا آدوميا على مملكة آدومية يهودية ، فالتاريخ حتى تلك اللحظة ما كان يتعامل مع ملوك أو حتى شعوب نصرانية ، كما أن يحيى عليهالسلام لم يكن نصرانيا حتى يفتى بشريعة النصارى ، بل إن السيد المسيح نفسه لم يكن حتى ذلك الوقت قد بعث رسولا نبيا ، وبالتالي لم يكن يحكم بشريعة الإنجيل ، ومن ثم فلا بد أن يكون هناك سبب آخر يمنع هذا الزواج ، وهنا نجد رواية تذهب إلى أن هيرودوس إنما كان قد ألقى بأخيه فيلبس ، زوج هيروديا ، في غياهب السجون ، ثم أمر به فقتل ، ثم أراد أن يتزوج من امرأته ، ولعل هذا هو السبب في ثورة النبي الكريم على هذا الزواج ومعارضته بشدة (٥).
على أن المراجع العربية إنما تقدم روايات تختلف عن الرواية السابقة ، فتذهب في أسباب قتل يحيى عليهالسلام إلى أن ملك دمشق وقت
__________________
(١) متى ١٤ / ٥.
(٢) مرقس ٦ / ٢٠.
(٣) يسمى النصارى يحيى عليهالسلام «يوحنا المعمدان» ، فأما يوحنا فهو اسمه ، وأما المعمدان ، فلأنه ، طبقا لما جاء في الأناجيل ، إنما كان يعمّد القوم ، أي يغسلهم في نهر الأردن للتوبة من الخطايا ، وقد عمّد يحيى السيد المسيح نفسه (متى ٣ / ١ ـ ١٦).
(٤) سفر التكوين ٣٨ / ٦ ـ ١١.
(٥) محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ١١٤٧ ـ ١١٤٩.