ذاك أراد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له أن يتزوجها ، فنهاه يحيى عن ذلك ، فتبقى في نفسها منه ، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها ، فبعثت إليه من قتله ، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها ، فيقال إنها هلكت من فورها وساعتها ، وقيل بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها ، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك فتمنع عليها الملك ثم أجابها إلى ذلك فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طشت.
وأما مكان قتله ، فذهب فريق إلى أنه قتل على الصخرة التي ببيت المقدس ، وذهب فريق آخر إلى أنه قتل في دمشق ، وتذهب رواية لابن عساكر عن قاسم مولى معاوية إلى أن «هداد بن هداد» ملك دمشق كان قد زوج ابنه بابنة أخيه «أريل» ملك صيدا ، فحلف بطلاقها ثلاثا ثم أراد مراجعتها فاستفتى يحيى بن زكريا فقال له : لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك ، فحقدت عليه وسألت الملك رأس يحيى ، وذلك بإشارة من أمها ، فأبى عليها ثم أجابها إلى ذلك ، وبعث إليه وهو قائم يصلي في مسجد حبرون من أتاه برأسه في صينية ، فجعل الرأس يقول : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فأخذت المرأة الطبق فحملته إلى أمها ، وهو يقول كذلك ، فلما تمثلت بين يدي أمها خسفت بها الأرض إلى قدميها ، ثم إلى حقويها ثم إلى منكبيها ، فأمرت أمها بقطع رأسها لتتسلى برأسها ، فلفظت الأرض جثتها ، ولم يزل دم يحيى يفور حتى قدم «بخت نصر» (نبوخذ نصر) فقتل عليه خمسة وسبعين ألفا ، ثم ما زال الدم يفور حتى وقف عنده إرميا النبي ، فقال : أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله ، فسكن فرفع السيف ، وهرب نبو هرب من أهل دمشق إلى بيت المقدس ، فتبعهم نبوخذ نصر إليها فقتل منهم خلقا كثيرا لا يحصون كثرة ، وسبى منهم ثم رجع عنهم (١).
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ٢ / ٥٣ ـ ٥٥ ، قصص الأنبياء ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٦.