وهذه الروايات ، وإن كان فيها بعض الشبه من رواية الأناجيل ، ففيها كذلك بعض نقاط ضعف ، منها (أولا) أن يحيى عليهالسلام إنما كان من أنبياء بني إسرائيل ، ولم يكن أبدا من أنبياء الآراميين سكان دمشق ، وبنو إسرائيل لم يكونوا في دمشق ، وإنما كانوا في فلسطين ، وبالتالي فإن حادث مقتل النبي الكريم إنما كان في بيت المقدس ولم يكن في دمشق ، ومنها (ثانيا) أن دمشق كانت على أيام يحيى عليهالسلام ، بل وبالتحديد منذ عام ٦٤ قبل مولد المسيح ، مستعمرة رومانية ، وبالتالي فلم يكن بها ملك ، وإنما كان بها وال روماني (١) ، ومنها (ثالثا) أن «هدد» (بنحدد) إنما كان ملك الآراميين في دمشق ، وذلك في القرن التاسع قبل الميلاد ، وقد اشترك في موقعه «قرقر» عام ٨٥٣ ق. م ضد الملك الأشوري «شلمنصر الثالث (٨٥٩ ـ ٨٢٤ ق. م) ، إلى جانب «أخاب» ملك إسرائيل وغيره من حكام ولايات سورية وفلسطين ، ومن ثم فهو قد عاش قبل عهد يحيى عليهالسلام بأكثر من ثمانية قرون ، ومنها (رابعا) أن حاكم دمشق ، أيا كان اسمه ، لم يكن أبدا أخا لملك صيدا ، فالأولى ولاية أرامية ، والثانية فينيقية ، ومنها (خامسا) ما أشرنا إليه من قبل من أن عهد يحيى عليهالسلام إنما كان بعد عهد «بخت نصر» (نبوخذ نصر
__________________
(١) افتتح القائد الروماني «بومبي» (Pompey) مدينة دمشق عام ٦٤ ق. م ، وفي عام ٦٣ ق. م ، وفي يوم سبت احتل مدينة القدس ودمر حصونها وقتل رجالها ، وبذا أصبحت كل من دمشق والقدس ولاية رومانية ثم سرعان ما بدأ «بومبي» تنظيماته الجديدة ، فأدخل سورية الجغرافية والتقليدية كلها تحت اسم واحد هو «ولاية سورية» (Provincia Syria) وحلت ولاية سورية محل مملكة سورية القديمة وأصبحت عاصمتها «أنطاكية» ، بينما جعلت «قليقيا» ولاية قائمة بذاتها ، وأبقيت اليهودية ولاية خاضعة ضمن إطار ولاية سورية ، وبعد فترة منحت المدن ذات الدساتير اليونانية حرية داخلية في ظل حكام الولايات الرومان ، وشكلت عشرة من هذه المدن اتحادا عرف باسم «الديكابوليس» ثم انضمت إليها مدن أخرى فيما بعد ، وعلى أية حال فلقد ظلت سورية وفلسطين ، طوال عصر مجد الامبراطورية الرومانية مجرد ولايات رومانية (أنظر : التفصيلات والمراجع : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ١١٣٦ ـ ١١٣٩).