حَسَناً) (١) جزاء هذا الإخلاص الذي يعمر قلب الأم ، وهذا التجرد الكامل في النذر ، وإعداد لها أن تستقبل نفخة الروح وكلمة الله ، وأن تلد عيسى عليهالسلام ، على غير مثال من ولادة البشر (٢).
هذا وقد روى عن ابن عباس ، حبر الأمة وترجمان القرآن ، أن حنة لما وضعت مريم خشيت أن لا تقبل الأنثى محررة ، فلفتها في خرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء ، فتساهم القراء عليها لأنها كانت ابنة إمامهم ، أيهم يأخذها (٣) ، فقال زكريا ، وهو رأس الأحبار : أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي ، فقالت القراء : ولكننا نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها ، فدعوا بأقلامهم التي يكتبون بها الوحي وجمعوها في موضع ثم غطوها ، وقال زكريا لبعض من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم ممن في بيت المقدس : أدخل يدك فأخرج ، فأدخل يده فأخرج قلم زكريا ، فقالوا : لا نرضى ولكن نلقي الأقلام في الماء فمن خرج قلمه جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها ، فألقوا أقلامهم في نهر الأردن فارتفع قلم زكريا في جرى الماء ، فقالوا : نقترع الثالثة : فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها ، فألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريا مع الماء وارتفعت أقلامهم في جرية الماء ، وقبضها عند ذلك زكريا (٤) ، ويقول الفخر الرازي أن المراد بالأقلام التي يكتبون بها التوراة وسائر كتب الله تعالى ، وكان القراع على أن كل من جرى قلمه عكس الماء ، فالحق معه ، فلما فعلوا ذلك
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٣٧.
(٢) في ظلال القرآن ١ / ٣٩٣.
(٣) يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير ٨ / ٤٦) : اختلفوا في السبب الذي لأجله رغبوا في كفالتها حتى أدتهم تلك الرغبة إلى المنازعة ، فقيل لأن عمران أباها كان رئيسا لهم ومقدما عليهم ، فلأجل حق أبيها رغبوا في كفالتها ، وقيل لأن أمها حررتها لعبادة الله وخدمة بيته ، وقيل لأن في الكتب الإلهية كان بيان أمرها وأمر عيسى عليهالسلام حاصلا فتقربوا لهذا السبب حتى اختصموا.
(٤) تفسير روح المعاني ٣ / ١٣٨.